تأملات في الصلاة الربانية
" ليَتَقْدسْ اسمكَ "
أبانا السماوي، لا نملك أنفسنا من الهتاف والتسبيح والحمد، لكَ ، لأنّكَ أنتَ قددوس، من الأزل وإلى الأبد. وقداستكَ هي منزهة عن كلّ ما هو شر، فأنتَ نور وليس فيكَ ظلمة البتة. وقداستك يا أبانا أيضا توافق طبيعتك الإلهية، أيْ إنّ أفكاركَ وأعمالكَ منسجمة مع جوهركَ القدوس. كما إنّ قداستكَ هي قداسة مطلقة، وهي مصدر تعزية ويقين لنا. إذْ لنا الثقة بأنّ أفعالكَ نحونا دائما هي كاملة وعادلة.
فالاعتراف بقداستكَ يا أبانا القدوس، هي طريقة من الطرق التي ينبغي أنْ نسبحكَ بها. نرى الكائنات الحية، الأربعة حول عرشكَ، لا تكاد تكف عن التسبيح وهي تقول: " قدوس، قدوس، قدوس، الرب الإله القادر على كل شيء الذي كان والكائن والذي يأتي". ونسمع أيضا السرافيم، ينسبون إليكَ صفة القداسة تلاث مرات.
ولأنّكَ يا أبانا، قددوس، معتز بالقداسة. فاسمكَ لا بدّ أنْ يكون مقدسا. فهو البرج الذي يركض إليه الصدّيق ويتمنع. هو الاسم، الذي يزعج، ويفزع ويزعزع قوات الجحيم، به نخرج الشياطين، وعندما تسمع به الأرواح الشريرة تهرب مذعورة. اسمكَ يا أبانا، هو مصدر العظمة والجبروت والجلال والبهاء والمجد، والحكمة والملك.
غير إنّ الأمر المحزن يا أبانا، أنْ يستخدم الكثير من الناس، هذا الاسم الحسن، كلمة قَسَمٍ لا أكثر. كما إنّ كثيرين من الناس ينطقون باسمكَ باطلا، وباستمرار، ومن دون مبالاة. ويعتقد البعض منا، أنّه كلما أكثرنا من النطق باسمكَ، كثرت مغفرة خطاياه.
نشكركَ يا أبانا، لأنّكَ تدعونا إلى القداسة، أنْ نكون قديسين. فأنتَ لم تدعونا إلى النجاسة، بل أنْ نكون نظير القدوس ابنك في كلّ سيرة. لأنّه من غير قداسة، لا يمكننا أنْ نراكَ. فالقداسة من حيث المبدأ، هي أنْ نتشبه ونتمثل بكَ، ونتكيف قلبيا مع الصورة الإلهية.
أبانا، أنتَ تتوقع من شعبك المبارك، أنْ يعكسوا صفة القداسة في كل نواحي الحياة، وأنْ يشتركوا في قداستكَ. وكلمتكَ الحية تطلق على مسيحيي العهد الجديد، المؤمنين اسم القديسين، الذين هم الأشخاص المفروزين لكَ والمكرسين لخدمتكَ. ولأنّ القديسين أيضا مطلوب منهم أنْ ينموا بالقداسة.
نعلم جيدا يا أبانا، أنّه لا يمكن لكائن من كان أنْ يقدس اسمكَ، ما لم يكن ذلك المؤمن قد تقدّس بالفعل. ففاقد الشيء لا يمكنه أنْ يمنح ما لا يملكه. ونعلم أنّ قداسة العهد القديم، تختلف عن قداسة العهد الجديد، فنحن في عهد النعمة قد تقدسنا، بروح القداسة. فالروح القدس الذي سكن في المؤمن المسيحي، هو الذي يجعل حياتنا، مقدسة بالتمام، ويجعل أفكارنا، وتطلعاتنا، وأهدافنا وكل خطوات حياتنا مقدسة، لأنّه هو الذي يسمح لتلك أنْ تظهر في أذهاننا وقلوبنا، لكي تتمجد أنتَ في نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا.
نشكركَ يا أبانا، لأننا نعلم أيضا، أنّ كل المؤمنين المسيحيين هم قديسون، وبذلك نستطيع أنْ نفند كل الأدعاءات الباطلة، والتي تدعو إلى اللجوء في طلب شفاعة القديسين. فتقديس شخص المسيح، وتوقير اسمه هو موضوع يجب أنْ يولى الاهتمام الأول في حياتنا من دون استثناء، ما دمنا أيضا ملوكا وكهنة في مملكتكَ.
نعرف يا أبانا، أنّه لا يمكن لأحدٍ أنْ يخلص دون أنْ يعرف اسم المسيح، ولا يمكن لأحدٍ أنْ يكون أداة فعالة بيدكَ، من غير أنْ يعرف سلطة هذا الاسم العظيم.
أعنّا يا رب، حتى نلهج باسمكَ دون انقطاع، فباسمك نستطيع أنْ نهدم الأسوار، باسمك، ننتهر عدو النفوس، باسمكَ نكون أكثر من منتصرين، ونحن نسير في موكب النصرة كل حين.
صبري يوسف
روتردام-هولندا
الخميس نوفمبر 29, 2007 1:16 pm