اختبار بعد الموت
المطهر
تعلم الكنيسة الكاثوليكية، أنّ المطهر هو المكان الذي تعذّب فيه أرواح الأموات لفترة من الزمن، تختلف مداها من شخص إلى شخص، بغية تطهيرها من بقايا الخطايا غير المميتة (العرضية)، التي اقترفتها الأرواح، أوأولئك الأشخاص الذين ماتوا من دون أنْ يعتمدوا.
غير إننا نلاحظ أنّه لا وجود لكلمة المطهر في الكتاب المقدس. وعقيدة المطهر، لا تعلمها كلمة الله، فقد دخلت هذه الفكرة إلى الكنيسة الكاثوليكية من الوثنية، إذ إنّ القدماء كانوا يؤمنون بمطهر، كذلك الإغريق والرومان. ويؤمن المسلون أيضا بالأعراف وهو السور الفاصل بين الجنة والنار.
يتكلم الكتاب المقدس، بكل وضوح عن مكانين في العالم الآخر، هما السماء، وجهنم النار، لا ثالث لهما. كما يحدد أيضا بكل وضوح، مكان السماء ونار جهنم، ولا يأتي على ذكر مكان المطهر. فلو إنّ المطهر كان موجودا حقا، لكان الرب يسوع قد ذكره هو أو أحد تلاميذه. لكنّ صمتهم عن ذكره برهان على عدم وجوده.
فالمطهر هو مكان عذاب مؤقت للأرواح قبل دخولها السماء. كما يقال أحيانا إنّه ما من إنسان مهما بلغ به الصلاح في هذه الحياة، ليس جديرا أنْ يدخل بعد الموت مباشرة، إلى حضرة الله. ومن هنا نشأت فكرة المطهر غير الكتابية.
ويقرّ أصحاب هذه الفكرة، أنّ المسيح قد دفع قصاص الخطيئة، لكن ذلك لا يبرر الخاطئ من النتائج الوقتية لخطيئته، أو من الجرم الشخصي. لذلك لا بدّ للخاطئ من معالجة هذا الواقع بجهده الشخصي في هذه الحياة، وبعملية التنقية والتطهير بعد الموت.
غير إنّ هذه الفكرة تقوض الاعتقاد بكمال وكفاءة الخلاص، الذي قدمه المسيح للخطاة من على الصليب. فإذا كان المسيح " يخلص إلى التمام" عبرانيين15:7. فماذا يتبقى بعد ذلك للإنسان من أمر خلاصه لكي ينجزه خو بنفسه ؟ ومن ناحية أخرى إذا كان بإمكان الإنسان في هذه الحياة أنْ يتقدم إلى الله، فهل من المعقول أنْ يحرم من حق المثول بين يدي الله عند الموت ؟ كما إنّ القول، إنّ الإنسان يُغفر له بقدر ما يستحق من الغفران، أمر لا يتفق مع العقيدة المسيحية.
لا يوجد موضع في أسفار العهد الجديد، يوحي بأنّ على البشر أنْ يقوموا بعد الموت بالتكفير عن خطاياهم، التي قام المسيخ في الواقع بالتكفير عنها، مدة حياته على الأرض. أمّا البراهين التي تقدم ضد ممارسة الصلاة من أجل الموتى، فهي نفس البراهين التي تدحض فكرة المطهر. فكيف تستطيع صلوات الأحياء أنْ تفيد الموتى ؟ يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: " وكما وضع للناس أنْ يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة "عبرانيين27:9. فالدينونة للخطاة تعقب مباشرة الموت.
قال أحدهم: (إنّ ممارسة الصلاة لأجل الموتى، تستند إلى حجج عاطفية أكثر مما تستند إلى أسباب عقلية ومنطقية).
لم تقرر عقيدة المطهر لدى الكنيسة الكاثوليكية إلا عام 1439 م، مدعية أنّ هناك براهين في الكتاب المقدس. نقرأ في 1كورنثوس13:3، 15، ما يلي:" لأنّه بنار يستعلن ويمتحن عمل كل واحد ما هو. وأمّا هو فسيخلص ولكن كما بنار ". ونقرأ أيضا: " ولن يدخلها شيء نجس ولا ما يضنع رجسا وكذبا " رؤيا27:21.
كما تقتبس الكنيسة الكاثوليكية، من أسفار الأبوكريفا غير القانونية، لدعم وجهة نظرها. وأسفار الأبوكريفا، لا تعتبر قسما من الكتب المقدسة، ويرفضها اليهود، وهي تحتوي على بعض التعاليم المغلوطة، التي لا تنسجم مع تعاليم الكتاب المقدس. وقد اعتبرت الكنيسة الكاثوليكية هذه الكتب قانونية في السنة 1574، في مجمع ترنت.
نقرأ في سفر مكابيين الثاني 40:12-45 " فوجدوا تحت ثياب كل جثة تماثيل صغيرة من أصنام آلهة يمنيا تحرمه الشريعة على اليهود. فتبين للجميع أنّ ذلك كان بسبب سقوطهم قتلى. فرفعوا كلهم آيات الحمد إلى الرب الديان العادل الذي يكشف الخطايا. وأخذوا يصلون ويبتهلون إليه أنْ يمحو تلك الخطيئة وبعد ذلك بدأ يهوذا النبيل يعظ الحاضرين أنْ يبتعدوا عن الخطايا لأنّهم رأوا بعيونهم نتيجتها على الذين قتلوا. ثم جمع من كل واحد تبرعا. فبلغ مجموع التبرعات ألفي درهم من الفضة، فأرسلها إلى أورشليم ليقدم بها ذبيحة عن الخطيئة. وكان ذلك خير عمل واتقاه لإيمانه بقيامة الموتى. فلولا رجاؤه بقيامة الذين قتلوا لكانت صلاته من أجلهم باطلة. ولو لم يعتبر أنّ الذين ماتوا اتقياء ينالون جزاء حسنا، وهو رأي مقدس وتقي، لهذا قدم الكفارة عن الموتى ليغفر الرب لهم خطاياهم ".
صبري يوسف
روتردام-هولندا
الجمعة نوفمبر 30, 2007 7:30 pm