- 4 -
الفداء في اليهودية والإسلام
أولاً - الفداء في اليهودية:
يشمل هذا الفداء الذبائح التي كان يقدمها بنو إسرائيل، وفق الشرائع التي أعلنها اللّه لموسى النبي، وكانت هذه الذبائح تنقسم إلى قسمين رئيسيين:
1 - (القسم الأول) الذبائح العامة:
وهي الذبائح القومية التي كانت تُقدم للّه في كل يوم، وفي كل موسم من المواسم الدينية، وأهمها:
(أ) الذبيحة اليومية: وهي خروفان حوليان (عمر الواحد سنة) صحيحان: الخروف الأول يُقدَّم صباحاً والخروف الثاني بين العشاءين (العدد 28: 3 و4) .
(ب) ذبيحة يوم السبت: وهي خروفان حوليان صحيحان، بالإضافة إلى خروفي الذبيحة اليومية (العدد 28: 9 و10) . كلمة السبت معناها الراحة . وكان بنو إسرائيل يطلقونها على يوم الراحة الأسبوعية.
(ج) ذبيحة أول الشهر: وهي ثوران وكبش وسبعة خراف حولية صحيحة (العدد 28: 11-15) .
(د) ذبيحة الفصح: وهي ثوران وكبش وسبعة خراف صحيحة وتيس واحد، في كل يوم من أيام الفصح السبعة (العدد 28: 16-25) . هذا عدا ذبيحة الفصح العائلية التي كانت تعملها كل أسرة بنفسها (تثنية 16: 2) .
(ه) ذبيحة باكورة الحصاد: وهي ثور وكبش واحد وسبعة خراف حولية صحيحة وتيس (العدد 29: 1-5) .
(و) ذبيحة عيد الكفارة: وهي ثور وكبش وسبعة خراف حولية صحيحة وتيس (العدد 29: 7-10) .
(ز) ذبيحة عيد المظال: وهي 71 ثوراً و15 كبشاً و105 خروفاً حولياً و8 تيوس، تقدم في ثمانية أيام متتالية (العدد 29: 12-40) .
(ح) ذبيحة البقرة الحمراء: وكان رمادها يوضع في ماء، ويستعمل للتطهير الرمزي لكل من مسّ ميتاً أو قتيلاً (العدد 19: 1-10) .
2 - (القسم الثاني) الذبائح الشخصية:
وهي الذبائح التي كان يقدمها الأفراد، كل واحد حسب ظروفه، وأهمها:
(أ) ذبيحة المحرقة: وكان يأتي بها كل من أراد التقرب إلى اللّه والتمتع برضاه (لاويين 1: 1-9) ، فمثلاً عندما جلس سليمان على العرش بعد أبيه، قدم للّه في يوم واحد ألف ذبيحة محرقة (1ملوك 3: 4) .
(ب) ذبيحة السلامة: وكان يأتي بها كل من أراد أن يشكر اللّه لأجل إحسان أسداه إليه، أو أراد أن يقدم له نافلة (أي ذبيحة تطوّعية) ، للدلالة على الإخلاص له والرغبة في التفاني في إكرامه (لاويين 3: 1-5 و7: 11-21) . وعند تكريس الهيكل أراد سليمان الملك أن يعبر عن شكره للّه، فقدم ذبائح سلامة عددها 22 ألفاً من البقر و120 ألفاً من الغنم (1ملوك 8: 63) .
(ج) ذبيحتا الخطية والإثم: وكان يأتي بإحداهما من عمل سهواً شيئاً من الأمور التي نهى اللّه عنها (لاويين 4: 1- 5 ولاويين 5: 1-19) . غير أن الذبيحةالأولى كانت تُقدم للّه باعتبار الخطية نجاسة. أما الثانية فكانت تُقدم له باعتبار الخطية ذنباً، لأننا بارتكاب الخطية لا ننجّس أنفسنا فقط، بل نسيء إلى اللّه أيضاً.
(د) ذبيحة الملء أو التكريس الكامل: وكانت تُقدَّم عند التكفير عن الكهنة يوم إقامتهم بأعمالهم، للدلالة على أنهم أصبحوا مقدسين للّه ولخدمته (لاويين 8: 22-36) من الناحية الرمزية.
(ه) ذبائح مختلفة، وهي ذبيحة التطهير الخاصة بالأم عندما تلد (لاويين 12: 1-
، والأبرص عندما يبرأ (لاويين 14: 1-20) ، والمصاب بسيل عندما ينقطع سيله (لاويين 15: 1-15) . كما كانوا يقدمون ذبيحة عن كل بكر يولد من البشر أو البهائم النجسة. أما كل بكر بهيمة من الحيوانات الطاهرة، فكان يقدم بنفسه ذبيحة (العدد 18: 17) ، لأنه، دون البكر من الحيوانات النجسة، كان يليق تقديمه للّه. وتقديم التطهير عند الولادة سببه وصف أوجاع الولادة جزءاً من العقاب الذي وقّعه اللّه على المرأة بسبب خطيتها (تكوين 3: 16) . أما مرض البرص والسيل فصورتان للخطية: الأول من الناحية الظاهرية، والثاني من الناحية الباطنية. أما تقديم بكر كل بهيمة فسببه أن اللّه كان قد أنقذ أبكار بني إسرائيل وحيواناتهم من القتل عندما كانوا في أرض الفراعنة (خروج 12: 29) ، فأصبح كل بكر من هؤلاء وأولئك ملكاً له، من الواجب أن يُفتدى بذبيحة أو يقع عليه قضاء الله بالموت (خروج 13: 2 و15) .
ونلاحظ في هذه الذبائح:
(1) إنها كانت تُقدم عن خطايا السهو التي لا يعلم المرء بها إلا بعد صدورها منه، الأمر الذي يدل على أنها (على العكس مما يظن بعض الناس) ذنوب أمام اللّه، كما ذكرنا في الباب الأول.
أما الخطايا التي كانت تُرتكب عمداً فلم تكن لها كفارة ما، بل كان من الواجب أن يُقتل أو يُرجم فاعلها بناءً على قول اللّه: وأما النفس التي تعمل بيد رفيعة (أي عمداً) من الوطنيين أو من الغرباء، فهي تزدري بالرب، فتُقطع تلك النفس من بين شعبها لأنها احتقرت كلام الرب ونقضت وصيته (عدد 15: 30) . وقد قصد اللّه بذلك أن يعلمنا وجوب الابتعاد عن الخطية.
(2) لم يكن يُعفى من تقديم الذبائح أحدٌ حتى إذا كان فقيراً. لكن رأفة بالفقراء سمح اللّه لهم بتقديم ذبائح رخيصة الثمن، مثل الحمام أو اليمام (لاويين 14: 21 و22) .
(3) كانت هذه الذبائح تقدم على مذبح النحاس القائم في هيكل اللّه، فكان المفهوم لدى الجميع أنها مقدَّمة لأجل الحصول على الغفران، كما كان الذين يقدمونها يضعون أيديهم على رؤوسها ويقرّون عليها بخطاياهم، رمزاً لانتقال خطاياهم إلى الذبائح المذكورة، فكانت تعتبر كفارة أو فدية عنهم (لاويين 4: 4) .
(4) كان الشخص الذي يأتي بذبيحة السلامة يأكل جزءاً منها كما يأكل منها الكاهن الذي قدمها، رمزاً لاشتراكهما في التمتع بإحسان اللّه (لاويين 7: 11-38) . وذبيحة الإِثم التي لا يدخل الكاهن بدمها إلى قدس الأقداس، كان يأكل جزءاً منها وحده، رمزاً لأنه مسئول عن إِثم الناس الذين يوجدون في دائرة خدمته. أما ذبيحة المحرقة وذبيحة الخطية اللتان كان يدخل بدمهما إلى قدس الأقداس، فلم يكن يأكل منهما أحد. فكانت الأولى تُحرق على المذبح لأنها كانت تعتبر قرباناً طاهراً للّه للحصول على رضاه (لاويين 6: 8-13) . أما الثانية فكانت تُحرق خارج المحلة لأنها كانت تعتبر نجسة بسبب نيابتها عن خطاة يستحقون العذاب الأبدي بعيداً عن اللّه (لاويين 6: 24-30) .
(5) كان من الواجب بصفة عامة أن تكون الذبائح بلا عيب، فالحيوان الأعمى أو المكسور أو المجروح أو البثير أو الأجرب أو الأكلف أو مرضوض الخصية أو مسحوقها، لم يكن يُسمح بتقديمه ذبيحة للّه (لاويين 22: 21-25) ، وكان ذلك رمزاً إلى أن الفادي الذي يصلح كفارة عن الناس يجب أن لا يكون طاهراً فحسب، بل وأن يكون كاملاً من كل الوجوه أيضاً.
ثانياً: الفداء في الإسلام
كان الفداء بالذبائح الحيوانية معروفاً عند العرب قبل ظهور الإسلام، كما كانوا يعتزون به اعتزازاً كبيراً، فإن عبد الله بن عبد المطلب افتداه أبوه من القتل بنحر مائة من الإبل، ولذلك كانت السيدة آمنة بنت وهب تفخر بأن زوجها هو الذي استأثر دون رجال قريش بمجد الفداء (كتاب المولد للشيخ محمد برانق ص 17) .
والفداء في الإسلام أو الكفارة نوعان: (أ) بالأعمال الصالحة مثل: الصوم والصدقة والنسك والحج وعتق رقبة وترك القصاص واجتناب الكبائر والسعي على العيال. (ب) بتقديم الذبائح الحيوانية.
(أ) الكفارة بالأعمال الصالحة:
1 - جاء في سورة البقرة 2: 184 أن من يفطر يوماً في رمضان بسبب المرض أو السفر، عليه أن يصوم يوماً عوضاً عنه، إن كان قادراً. وإلا فعليه أن يقدّر الفدية اللازمة، وهي إطعام مسكين أو أكثر.
2 - وجاء في سورة البقرة 2: 196 أن من يتمتع بالعمرة إلى الحج، يجب أن يقدم ما تيسر له من الهدي. ومن لم يجد هدياً، ففديته صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى بلدته. أما من يمتنع عن الحج بسبب مرض أو أذى في رأسه، فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك.
والعمرة والحج هما زيارة البيت الحرام بمكة. والفرق بينهما أن العمرة واجب، أما الحج فركن من أركان الدين. ثم أن العمرة ليست مقيدة بوقت، أما الحج فيكون في شهري ذي القعدة والعشرة الأيام الأولى من ذي الحجة. والواجبات الدينية التي تُمارس في العمرة تختلف عن التي تُمارس في الحج.
أما الهدي فهو ما يُهدى إلى الحرام من الإبل والبقر والغنم.
3 - وجاء في سورة المائدة 5: 45 أن من يترك حق توقيع القصاص على شخص سبق أن اعتدى عليه، يكون هذا الترك كفارة له.
4 - وجاء في سورة المائدة 5: 89 أن من يحنث في يمينه، فكفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة. وإذا لن يجد، فعليه بصيام ثلاثة أيام.
5 - وجاء في سورة النساء 4: 31 أن التكفير عن الصغائر يكون باجتناب الكبائر. وورد في الأحاديث أن التكفير عن الكبائر يتم فقط بالحج المبرور والغزو في سبيل الله. وأن هناك ذنوباً لا يكفرها صوم ولا صلاة ولا جهاد، وإنما يكفرها السعي على العيال (تحفة المريد ص 109 وحاشية الأمير ص 147) .
6 - وقال دكتور محمد على أبو ريان في جريدة الأهرام القاهرية يوم 28-12-1967: الصوم بمعنى الكفارة أو التكفير عن الذنوب أو التعويض عن تقصير في ممارسة الشعائر الدينية يستهدف تعذيب النفس لاستدرار رحمة الله. والشعور بالألم نوع من العقوبة الذاتية التي يفرضها المرء على نفسه كعقاب عن الخطية .
وقال الدكتور أحمد الشرباصي في كتابه الفداء في الإسلام : الفدية هي ما يقي بها الإنسان نفسه من مال يبذله عن عبادة قصَّر فيها، ككفارة اليمين، أو كفارة الصوم أو غيرهما .
(ب) الفداء بالذبائح الحيوانية:
يمكن الحصول على الغفران أيضاً بنحر الذبائح. واستيفاءً للبحث نتحدث فيما يلي عن الذبائح التي ذكرها القرآن، وعن أنواعها ومميزاتها الواردة في المراجع الإسلامية الهامة:
1 - جاء في سورة المائدة 5: 27 : واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قرّبا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر . قال الدكتور أحمد الشرباصي في كتابه الفداء في الإسلام تعليقاً على هذه الآية: في القربان هنا معنى التضحية والفداء، وهو ما يتقرب به الإنسان إلى الله .
2 - وجاء في سورة الصافات 37: 107 أن الله فدى ابن إبراهيم بذبح عظيم. وقال البيضاوي في تفسيره: إن كلمة عظيم التي يوصف بها الكبش، يُقصد بها أنه عظيم القدر، لأن الله فدى به نبياً (ج5 ص 9) . وقال الدكتور أحمد الشرباصي تعليقاً على هذه الآية: أي جعلنا هذا المذبوح فداءً له وخلصناه به من الذبح . إذ لولاه لكان قد ذُبح ابن إبراهيم ومات.
ذهب علماء المسلمين من جهة ابن إبراهيم هذا مذهبين: فعكرمة وعبد الله بن مسعود وكعب وابن سابط وابن أبي هذيل يقولون إن الذبيح هو إسحق. أما ابن عباس وأبو طفيل والشعبي ومجاهد فيقولون إن الذبيح هو إسماعيل (الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزيري ج1 ص 62 و63) .
3 - وجاء في سورة الكوثر 108: 2 أن في عيد الأضحى تكون الصلاة أولاً، ثم النحر بعد ذلك. وقال البيضاوي: إن النحر هو التضحية (ج5 ص197) ، والتضحية كما نعلم هي الفدية . وعيد الأضحى في إيران يسمى عيد القربان أي عيد الذبيحة أو الأضحية. ومن الأدعية التي تُقال في هذا العيد هناك: اللهم اجعل هذه الذبيحة كفارة عن ذنبي وانزع الشر عني . فيكون النحر فدية عن النفس كما ذكرنا.
4 - وجاء في سورة البقرة 2: 196 ما معناه أنه إذا وقع حصار من الأعداء في أثناء الحج والعمرة، يجب تقديم ما تيسَّر من الهدي، ويُطلق على هذا الهدي اسم القربان (المصحف المفسّر ص 38) .
5 - وجاء في سورة المائدة 5: 95 أن من يقتل طيراً وهو محرم، فعليه بمثل ما قتل. ويقول بعض علماء الدين إن الضبع يُعوَّض عنه بكبش، والغزال بعنز، والأرنب والحمامة بشاة (كتاب الحج ص 46) .
6 - وجاء في كتاب الحج (ص 21-46) أن من لا يودع البيت قبل الخروج للسفر، فعليه دم، وكذلك من يحلق أو يطوف قبل الرمي، أو يقوم بعصب عضو من أعضائه، أو نتف شعر من أنفه أو إبطه وهو محرم، ناسياً أو جاهلاً. والمقصود بالرمي هنا رمي الحجارة على إبليس.
7 - وجاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (ج1 ص 202) أن الرسول ضحى مرة بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده الكريمة، كما نحر عن أزواجه. ومرة أخرى نحر ثلاثاً وستين ناقة بعدد سني حياته، وأمر علياً أن ينحر باقي المائة (البداية والنهاية ) ج5 ص 188 ، ومرآة الحرمين ج1 ص 91) . ومرة أخذ كبشاً فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: باسم الله تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد (شرح الآبي والسنوسي ج5 ص 296 و297) . وأيضاً اللهم هذا عني، وعمن لم يضحّ من أمتي (مشكاة المصابيح ص 420) .
8 - وجاء في تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب (ص 248) أن في اليوم السابع للمولود تقدم عنه ذبيحة تدعى العقيقة ، وهي سُنّة مؤكدة تُذبح وقت طلوع الشمس. فإن كان غلاماً ذُبحت عنه شاتان، وإن كانت جارية ذبحت عنها شاة. ويُسنّ أن لا يُكسر عظم العقيقة بل تفصل الأجزاء فحسب. وذبيحة الفصح عند اليهود لم يكن يُكسر أيضاً عظم منا (خروج 12: 46) . وجاء في رد المعاد في هدى خير العباد (ج2 ص3-5) : العقيقة تشبه العتق عن المولود فإنه رهين بعقيقته. فالعقيقة تفكه وتعتقه . ولذلك فهذه الذبيحة تشبه ذبيحة الفدية عن الأبكار لدى اليهود. وجاء في (صحيح البخاري ج3 ص66) أن الرسول قال مع الغلام عقيقة، فاهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى . ويُقال عند ذبح العقيقة اللهم هذه عقيقة ابني (فلان) . دمها بدمه ولحمها بلحمه، وعظمها بعظمه، وجلدها بجلده، وشعرها بشعره. اللهم اجعلها فداءً لابني من النار .
أما من جهة أنواع الذبائح وفوائدها والشروط الواجب توافرها فيها، فنقول:
1 - جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (ج1 ص 696-700) أن أنواع الهدي أربعة:
(أ) هدي التمتع والقران، وهو واجب في الحج والعمرة. والتمتع هو الإحرام بالعمرة ثم بعد ذلك بالحج. أما القران فهو الإحرام بالحج والعمرة معاً.
(ب) هدي الكفارة أو الفدية، وهو ما يقدم عند ترك واجب من الواجبات.
(ج) هدي النذر، وهو واجب عند وفاء النذر.
(د) هدي التطوع، وهو ما يتبرع به المحرم. وبمقارنة هذه الذبائح بالذبائح اليهودية، يتضح أن هناك كثيراً من الشبه. فهدي التمتع والقران يشبه ذبيحة المحرقة، وهدي الكفارة أو الفدية يشبه ذبيحتي الخطية والإثم، وهدي التطوع والنذر يشبهان ذبيحة السلامة. ويؤكل من هدي القران والتمتع، وكذلك من هدي التطوع. أما هديا النذر والكفارة فلا يؤكل منهما. وإن أكل إنسان منهما عليه أن يضمن القيمة للفقراء.
وهذه الشريعة لها ما يماثلها أيضاً في اليهودية، فكانت تصرح بالأكل من ذبائح السلامة وذبائح الإثم التي لا يدخل بدمها إلى قدس الأقداس، وتنهي عن الأكل من ذبائح المحرقة عامة، وعن ذبائح الخطية التي يُدخل بدمها إلى هذا المكان، وذلك للأسباب السابق ذكرها.
2 - وجاء في كتاب إحياء علوم الدين (ج1 ص 243) أن ذبح الهدي هو تقرب إلى الله بحكم الامتثال لذلك قيل: أكمل الهدي وأرجُ أن يُعتق الله بكل جزءٍ منه جزءاً منك من النار. فهكذا ورد الوعد أنه كلما كان الهدي أكبر وأجزاؤه أوفر، فإن فداءك من النار أعم .
3 - وجاء في كتاب إحياء علوم الدين (ج2 ص 187) أنه لا يُضحَّى بالعرجاء والعضباء والجرباء والشرقاء والخرفاء والمقابلة والمدابرة والعجفاء، والجدع في الأنف والقطع فيها والعضب في القرن وفي نقصان القوائم، والشرقاء المشقوقة الأذن من فوق والخرافاء من أسفل. ووجوب خلو الذبيحة حتى من العيوب الجسمية السطحية الطفيفة التي لا تؤثر بشيء على لحمها، دليل على أن الغرض الأساسي من ذبحها ليس مجرد إطعام الفقراء، بل التفكير بها عن نفس صاحبها، لأن الذبيحة الكفارية يجب أن تكون كاملة لا عيب فيها على الإطلاق.
4 - وجاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (ج1 ص 700) : ويندب أن يكون الصنف الذي يضحى به جيداً من أغلى النعم (النعم واحد الأنعام، ويطلق بصفة خاصة على الإبل) . وأن يكون أيضاً من مال طيب. ويكره جز صوفها وشرب لبنها قبل الذبح . وجاء في تنوير القلوب (ص 246) أنه يجب على صاحب الذبيحة عدم ركوبها قبل ذبحها، أو الأكل منها أو استخدام جلدها في شيء خاص به بعد ذبحها وهذا الشرط له ما يماثله تقريباً عند اليهود فقد جاء في (تثنية 15: 19) أن الحيوان المعين ليكون ذبيحة، يجب على صاحبه أن لا يشتغل عليه أو يجزه قبل ذبحه. وجاء في جريدة المصري (الصادرة في 8 سبتمبر 1949) مقال للشيخ محمد شلتوت عضو هيئة كبار العلماء وقتئذ، ينص على أنه من الواجب أن لا يُستعاض عن الذبيحة بتوزيع ثمنها على الفقراء، الأمر الذي يدل على أن الغرض الأساسي من ذبحها، ليس إطعامهم، بل التكفير بها عن نفس صاحبها.