ليسَ لكِ الليلُ
مجموعة نثرية
الفصل الأول
إستيقظي،
إرجعي إلى راحتكِ،
ليستْ راحة محاربٍ.
فقدْ دارَ البابُ على صائرهِ،
وليسَ عليكِ أنْ تسيري بينَ ما مضى، وما هو آتٍ،
وليسَ لكِ أنْ تبقي في الجلجال، إذ أصبحَ الانتهاءُ، ابتداء،
فانتهتْ كلّ المتاعبِ القديمة،
وسقطتتْ أسوار أريحا،
فاستيقظ النورُ بجبروتهِ،
وجاء يجرّ عطفيهِ،
لكي يشعشعَ آفاق الدنى.
إنّه محيط واسع، لا شواطئ له،
وعهده لا ينقضُ.
الشمسُ مدّتْ أطتابها،
تنشر أجنحتها، لتطأ المرتفعاتِ، وكل الأغوار العميقةِ،
لتزيل الحواجز، وتقلبَ كل الأعمدةِ.
لا جمع بين الأروى والنعام،
ولكِ أنْ تطرحي، ذلك التعبَ الموروثَ،
وأنْ تتمتعي بحياة ملأها الفيض،
حياةٍ بلغتْ من السحر ما يستهوي به البشرُ،
حياةٍ زاخرة كالمطر على الأرض الجافة، فتنعشها،
حياةِ تجعل الأزهار الذابلة، ترفع رؤوسها،
حياةٍ لا تختبئ وراء الكلماتِ،
حياةٍ لا تسير في بطئ، وخطواتِ وجلة،
حياةٍ ليستْ هروبا، بل هي خطواتٍ نحو الأمام،
حياةٍ تسير في اتجاهٍ، يجعل كل واحدٍ يعمل ما يريد،
حياةٍ لا تعاني زمهرير الليل، والشتاء،
حياةٍ لا ألمَ فيها، ولا معاناة، ولا وهن،
حياةٍ مثمرة لا عقم ولا جفاف فيها،
لا تظهر إلا ما تضمر،
ولا تعرف حدودا، ولا ظروف.
تأهبي للحرية،
ضعي يدكِ على المحراث،
لا تتستري تحت ظلام الليل، فقد كشفتْ أذياله إلى فوق.
لا تستسلمي طويلا للوسن، فقد استقرتْ عليه الويلات واللعنات،
ارتجفتْ أعضاؤه، وجحظت عيناه،
هو يلفظ أنفاسه،
ويشهد عذاباته الأخيرة.
لا، لا تتصنعي الهدوء والوقار، وعدم المبالاة،
فلا هروب من هذا الملكوت،
ولا تغيير في الاتجاه،
فالثور يحمي أنفع بروقهِ.
ليهدئ لكِ البال،
إنّ نورا خفيا يشرق في قلوب الذين ينتظرون الفجر.
لن يتركَ الظبي ظله،
ولن تلدغ العقربُ وتصيء.
اقشعرتْ السحب الدكناء المكفهرة،
وعليكِ أنْ تدركِي كم أنتِ قريبة من الحياة!
ولا تدعي الهموم تفترسكِ،
فالبغلُ الهرم لا يفزعه صوت الجُلجُل.
تدحرج العار، وإلى الأبد،
تدحرج الحجر،
ودقتْ ساعة الصفر،
لتعلن عن حدثٍ ما حَدَثَ في حياتنا،
له قوة على قلب التاريخ.
لكِ أنْ تتخيلي ما حدث،
فالنور ينفذ إلى أعماق، أعماقي،
يدقّ الأبواب،
يصرخ بملء الفم،
يتكلم عن أشياء مذهلة،
إنّه سرّ الأسرار.
كَذِبَ من جاء بالشُقرِ، والبُقر، وبينات غير،
من قال: إنّ النور امتدتْ إليه أصابع الاتهام،
وحقيقته تضمنت، شيئا من الكذب،
انتابته رعشة الموت،
وفقد بريقه،
غاب في بئر لا قرار لها،
في ظلمات الأرض السفلى، في الهاوية.
و و و يتبع
من كتاب ( ليس لكِ الليلُ ) المعد للطبع
صبري يوسف
روتردام - هولندا