عقلانية شهود يهوه !

العقلانية، مذهب فلسفي يقدم المعقول، ويقول: بأنّ العالم كله يدرك من خلال المعرفة الواضحة. فهو نظام قائم على العقل في مقابل الأنظمة المرتكزة على الوحي. وهو نظام مخالف للمذفب التجريبي، الذي ينكر وجود مبادئ أولية عقلية. والعقلانية الدينية، هي اجتهاد في شرح الحقائق العقائدية، إنطلاقا من التأمل الشخصي لكشف مضمونها الغامض حتى يبرز أمام المؤمن في وضع مقنع.

وعقلانية شهود يهوه، تمثّل ردّ فعل عنيف ضد فكر العلم، فعقلانية هذه الجماعة يمكن أنْ نُرى بوضوح، من خلال رفضهم كل التعاليم التي تختص بالثالوث والتعاليم الأخرى التي تتعلق بشخص وعمل السيد المسيح. فالسؤال الذي كان يقض مضجع الراعي تشارلز رصل، ويؤرقه، كان يطرح في هذه العبارة كيف يمكن لله الخالق أنْ يظهر في الجسد ويصلب ؟ وأيضا التعليم المتعلق بالعذاب الأبدي ونار جهنم المتقدة).

تأتي أيضا الفكرة العقلانية تجاه الكتاب المقدس، ومن خلال التفسير الحرفي للنبوة. إذ يأخذ شهود يهوه الكلمات بمعناها الظاهر. ويظهر إخفاقهم الشديد في تقييم الأسلوب الرمزي في لغة الكتاب المقدس. ورفض لعملية نقل الدم، يعكس أيضا رفضهم للعلم الحديث. وكذلك اللجوء إلى الترجمة الحرفية المفرطة للشروح التي يقدموها. وفي محاولة فاضحة، لتبرير تفسيرهم للمسيحية، عمد شهود يهوه، إلى ترجمة الكتاب المقدس ( ترجمة العالم الجديد)، بغية طمس الحقائق. ويجب أنْ لا يغيب عن بالنا أمر هام، وهو أنّ مثل شهود يهوه الأعلى هو آريوس، الذي كان عقلانيا من الطراز الأول.

يدافع شهود يهوه عن العقلانية، دفاعا مستميتا، ذلك لأنّ قلويهم مجردة من بذرة الإيمان الحقيقي، إذ نقرأ: " إنّ عدم عقلانية العقائد التقليدية ( ويقصد المسيحية) أدى إلى صيرورة تشارلز رصل متشككا. ووجد أنّ ما تعلمه من الكتاب المقدس، لا يمكن الدفاع عنه، بطريقة تمنح الاكتفاء. فنبذ رصل عقائد التعليم المسيحي، ومعها الكتاب المقدس ثم فحص بعض الديان الشرقية الرئيسية".

كان الراعي في بادئ الأمر، قد بدأ في البحث عن الله، الحق الصريح، ولكن بحثه كان من زاوية العقل أو المنطق، حيث يستند على النظريات والأقوال التي تثبت وجود الله، في مسعى له، حتى يقوده هذا الإيمان العقلي إلى مراحل متقدمة إلى الإيمان بالله. ويعترف رصل جهارا، أنّه عندما زار الكنيسة المسيحية المجيئية ( الأدفنتستية)، كان يطلب شيء معقول أكثر من عقائد الكنائس المسيحية ( شهود يهوه منادون بملكوت الله ص 43).

وفي وقت لاحق بعد أنْ عاد تشارلز رصل إلى الطريق السوي، التي ضلّ عنها، وازدرى بها، كتب كتابا هو ( نظام الدهور الإلهيTHE DIVINE PLAN OF AGES ) قال فيه: " الكتاب المقدس هو وحي إلهي كما نرى بعين العقل". وفي خاتمة الفصل كتب أيضا يقول: " إنّ عمق وقوة وحكمة ومدى شهادة الكتاب المقدس، تقنعنا أنّه لا إنسان، بل الله هو القادر على كل شيء، هو مؤلف مقاصده وإعلاناته ".

ويتساءل تشارلز رصل، فيما إذا كانت عقائد العالم المسيحي، أساءت تمثيل الكتاب المقدس، ثم لا يلبث أنْ يجيب قائلا: " أنناقض الرسل والنبياء ويسوع حول ذلك، ونتجاهل العقل والحس العام، ونتمسك بعقائد، سلمتها إلينا من الماضي، كنيسة مرتدة فاسدة ؟ كلا، إلى الشريعة وإلى الشهادة إنْ لم يقولوا مثل هذا فليس لهم فجر." مجلة برج المراقبة 15 آب 1915.

ونطالع ما قيل عن الراعي تشارلز رصل: " كان رصل يعرف جيدا، أنّ أغلب الناس العقلاء لا يؤمنون حقا بعقيدة نار جهنم ". وقد بيّن ذلك في السنة 1896، في كراسة ( ماذا تقول الأسفار المقدسة عن جهنم ؟)، إذ قال: " بما أنّهم يظنون أنّ الكتاب المقدس يعلمها، فكل خطوة يتقدمونها في ذكاء حقيقي، ولطف أخوي. . . إنّما هي في معظم الحالات خطوة ابتعاد عن كلمة الله التي يتهمونها باطلا بهذا التعليم ". كما قال رصل في إحدى المناظرات: " الأسفار المقدسة هي على انسجام تام على ما نعترف به أنتَ وأنا وكل شخص عاقل ومنطقي في العالم".

نطالع أيضا في كتاب ( المباحثة في الأسفار المقدسة ص327، ص348) عن المنطق الساذج الملتوي، وعن الأفكار البشرية التي تتخبط في ديجور مظلم، بعيد كل البعد عن الإيمان الذي يرتفع عاليا، فوق الفكر، ويتعدى عتبة العقل. فيعلق الكتاب على دينونة الأشرار، ويقول: " إذا كنا نتبنى النظرة، أنّ الناس سيدانون على أساس الأعمال في حياتهم الماضية، فذلك لن يكون منسجما مع ما ورد في رومية7:6 - الذي مات تبرأ من الخطية - ولا يكون معقولا أيضا أنْ يقام الناس لمجرد إهلاكهم ". ويمضي الكتاب ليعبر عن الشك القاتل بخصوص ما ورد في الرسالة إلى العبرانيين14:2، 17، خيث يقول الكاتب: " فإذ تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو ( يسوع). أيضا كذلك فيهما . . . كان ينبغي أنْ يشبه أخوته في كل شيء". لكن هل كان المسيح يشبه أخوته لو كان إلها إنسانا ؟

يقول روذرفورد في كتاب ( قيثارة الله ص 213): " إنّ العقل يجب أنْ يوظّف من أجل فحص المسائل الكتابية، فالتفكير السليم والأسفار المقدسة، يجب أنْ يسيرا جنبا إلى جنب ". ويعلق روذرفورد أيضا على موضوع (هل الله يعذب شخصا ما ؟)، محاولا بطريقته الخاصة المثيرة، أنْ يبرهن، أنّ لا عذاب هناك. وقد أعطى أربعة أسباب، إحدها هو أنّ العذاب الأبدي، أمر غير معقول.

تقف عقلانية شهود يهوه، مثل عقبة كأداء بوجه كل بحث، وتقدم في المجال العلمي. وهناك صيحات وصرخات كثيرة صادرة من جهات رفيعة المستوى في منظمة برج المراقبة، تحذر وتنذر، وتندد من ذلك التوجه، قائلة: " البحث العلمي ليس ضروريا، فقد قامت برج المراقبة بعمل ذلك من أجلكَ. فالشيء الجيد الذي يفيدكَ هو انْ تطالع مجلة برج المراقبة، أو مجلة استيقظ، أو كتابا جديدا تصدره المنظمة " مجلة برج المراقبة 1حزيران 1967. ويحذر عدد آخر من مجلة برج المراقبة، كل أفراد شهود يهوه، قائلا: " لا تسعَ وراء دراسات عليا، فقد تناهى الوقت،ولم يبقَ إلا النزر اليسير. اعمل عمل فاتح للخدمة، مستخدما كامل الوقت، مع إمكانية الخدمة في البتل (عائلة الكتاب المقدس لشهود يهوه في نيويورك) أو في خدمة نبشيرية. وليكن ذلك هدفكَ لا غير " مجلة برج المراقبة 15 آذار 1969. والنتيجة الحتمية كما يوردها كراس ( هل الله يهتم بنا ؟ ص5) هي: " الاستنتاج المعقول هو الاعتراف بمانح كل هذه الأشياء".

هذاهو منطق شهود يهوه، إذ يعيشون حياة مأساة، تبعث عن السأم. ولتساؤلهم، جواب واحد فقط لا غير، ويأتي من كلمة الله: " كما علت السموات عن الأرض هكذا علتْ طرقي عن طرقكم، وأفكاري عن أفكاركم " إشعياء8:55.

صبري يوسف
روتردام-هولندا