تمرد في السماء !
مجموعة نثرية
تبـّا وَسـحقاً لكَ،
ليسَ لديكَ موطئ قدمٍ ثابت،
ليسَ لكَ وَطن،
أنتَ مشرّد هارب،
معلّق بين السماءِ والأرضِ،
بعضكَ في الأرضِ السفلى،
وبعضكَ في جهنم الظلامِ، في ترتاروس*
مقيد بسلاسلَ.
إذ ليسَ لكَ الكثيرَ في الحياة لتعيشَ من أجله.
كنتَ مبتَلٍ بشعور العظمةِ،
بداء العظمة،
تحولتَ إلى زهرة نرجس، تنظر على سطح ماء ِبركةٍ،
لا تملّ من طولِ النظر إلى وجهكَ.
لكنّ شيئا ما أغلقَ على فهمكَ،
وأعمى بصيرتكَ،
فكانَ لكَ ذهناً مرفوضا، متزعزعا،
إذ وضعتَ الإيمان في محملِ الرفضِ،
وضعته على المحكِ،
وتقلبتَ بين الشكّ واليقينِ.
وكانَ أنْ رحتَ تتخبطُ في حيرة ويأسٍ.
فأنتَ أخطأتَ باختياركَ.
فهل حقّا كنتَ تودّ التحرر ؟
لتنكصَ على عقبيكَ،
وتقفزَ قفزة في الظلام، وتتجه في ذلكَ التيه الأسود إلى الضياع ؟
انتَ الآنَ مجرد مخلوق بائس تعيس، لا يفوق في الأهمية عن أيّ مخلوق !
لم تعدْ مكللا بالتكريم والمجد،
أنتَ تنسحق تحتَ وطأةِ الصدمة،
وتسير في طريق محفوف بخطر الموتِ.
أنتَ جُبلتَ بالغيرة،
من أخمص قدميكَ إلى هامة رأسكَ،
الغيرةُ قلبتْ حياتكَ رأسا على عقبٍ،
الغيرةُ هدمتْ بالمعاول كيانكَ،
الغيرةُ نفثتْ فيكَ سمّا زعافا،
الغيرةُ قطعتْ حبلَ مسرتِكّ،
الغيرةُ ولّدتْ فيكَ شرورا،
الغيرةُ سمّرتْ في ذهنِكَ مفاهيم خاطئة ومشينة.
أنتَ في كربٍ عظيم، ليتَكَ تستطيعُ أنْ تدركَ عِظَم الأزمة التي أنتَ فيها،
إذ أنت ماضٍ في آخر الدرب إلى الخراب،
إلى نهاية ليستْ عَدَما، ولا اضمحلال،
بل إلى الأرض السفلى،
إلى بحيرة النار والكبريت.
أنتَ أردتَ أنْ تبهر الأنفاسَ، أنْ تسلطَ الأضواء على نفسكَ،
أنْ تقيمَ في المرتفعات،
وتكونَ أرفعَ مقاما،
وتتخذَ اسما فوق كلّ اسمٍ،
لكنّكَ لم تستوعب الدرسَ، فحساب الحقل ليسَ مثل حساب البيدر،
أنّكَ كنتَ بذلكَ تضع أولَ لَبَنة في بناء جهنمَ، بيتكَ الأبدي.
أليسَ ما فعلتهُ كانَ أمرا باطلا تحت السماء والأرض،
مرفوضا جملة وتفصيلا، ولا يصدر إلا من إرادة شريرة !
مثل كلبٍ أصابه التعب بسبب كثرة ما التهم من الطعامٍ.
هل لكَ أنْ تتحاجج وتتعلل ؟
وتشعر بالزهو ؟
وتقهقة بملء شفتيكَ ؟
فالأشياء لا تنتهي دائما بالأحلام !
مشكلتكَ،
أنتَ لم ترَ ما تحتَ السطحِ،
حاولتَِ سيرَ غير المحدود، بعقل محدود.
ورحلتكَ ليستْ رحلةَ ألفَ ميل،
ولا رحلة ألف، ألف ميل،
ولا رحلة شهور وسنوات،
ولا رحلة عمر على الأرضِ،
ولا رحلة في المجهول.
إنّها رحلة المتاعب والأحزان،
إنّها رحلة تنقل بصركَ بين الأرض والسماء،
إنّها رحلة الأبدية،
حيث يُبتلع الزمن، في جوف لا زمن.
* ترتاروس، أو جهنم الظلام، وردت في 2بطرس4:2.
صبري يوسف
رتردام-هولندا
الثلاثاء نوفمبر 20, 2007 1:47 pm