الدينونة

إنّ حاكم الكون، هو أيضا ديـّانه ( قاضيه). فالحاكم يسنّ القوانين وينفذها، وهذا هو ما يقصده الكتاب المقدس بالدينونة أو القضاء. لأنّ الله هو ذلك القاضي والحاكم.

وهكذا، فالدينونة الأخيرة كما علّم عنها الرب يسوع، ستكون آخر فصل بين الأبرار والأشرار، ولأنّ القاضي هو الله نفسه، فستكون الدينونة عادلة. حقا إنّ ديـّان كل الأرض، لا بدّ أنْ يصنع عدلا. فهو إله محب، وقدوس وعادل (مزمور5:33). وهو لا يمكن بأيّ حال أنْ يتجاهل الخطيئة. هو لا يحتمل أيّ نقص في محضره المقدس (عبرانيين14:12).

وبغية أنْ ينفّذ الله عدالته، هو أعدّ نار جهنم، أو بحيرة النار والكبريت، التي كانت أعدّت في الأصل لإبليس وملائكته، بحسب الإنجيل (متى41:25). وقد أوكل الله للسيد المسيح، مهمة الدينونة فعلا. فهو سيدين كل إنسان بحسب معرفته. فالذين لم يسمعوا قط شرائع الله المكتوبة، سيدانون بحسب ما يعرفونه عن الله من الخليقة، وما تنبههم فيه ضنائرهم، من جهة ما هو خير أو ما هو شر. ولكن الحقيقة، هي إننا نخفق في الارتفاع بحياتنا إلى مستوى ما نعرفه عن الله ومعاييره، وجميعنا مدانون على أساس الحياة التي عشناها.

تقول كلمة الله: " لأنّه أقام الله يوما فيه مزمع أنْ يدين المسكونة بالعدل " أعمال17:13. وتقول أيضا: " وكما وضع للناس أنْ يموتوا مرّة ثمّ بعد ذلك الدينونة " عبرانيين 27:9.

في يوم الدينونة العظيم، سيتعلق الأمر كله حول علاقة الإنسان الشخصية بالسيد المسيح. وقد علم الرب يسوع بهذا. وقد كان المسيحيون الأوائل على يقين كلي، بأنّ الإعفاء من الدينونة ونوال الحياة الأبدية، لن يكونا إلا على حساب الإيمان بدم المسيح على صليب الجلجلة. فقد جاء في الإنجيل" الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" 36:3. فالذي لا يزال يعلل نفسه بالأعمال الحسنة التي تذهب السيئات، ليتوقف عنها، إذا كان يثصد منها الخلاص، ويقبل المسيح !

مبادئ دينونة الله
يوضح الرسول بولس، أربعة مبادئ بخصوص الدينونة، وهي كالآتي:-

(1) دينونة الله هي حسب الحق
" لذلك أنتَ بلا عذر أيّها الإنسان لأتّكَ فيما تَدين غيركَ تحكم على نفسكَ. لأنّكَ أنتَ الذي تَدين تفعل الأمور نفسها. ونحن نعلم أنّ دينونة الله هي حسب الحق على الذين يفعلون مثل هذه " رومية1:2، 2.

تنصب دينونة الله التي هي بحسب الحقّ على فاعل الشر، فامتداح الفضيلة في العلن، بينما تمارس الرذيلة في السر، أمر قد يمكّن المرء من مسيرة أصحابه.

(2) دينونة الله هي بحسب الأعمال
" الذي يجازي كل واحد حسب أعماله " رومية6:2.

إنّ كلمة ( أعمال) هذه، لا تقتصر على الأفعال الخارجية التي يلاحظها الآخرون، لكن الله يأخذ في عين الاعتبار أيضا تلك الأفكار العميقة، الكامنة في سريرة الإنسان، دوافع القلب البشري ونياته.

(3) دينونة الله هي بلا محاباة
" لأنْ ليس عند الله محاباة " رومية2:11.

إنّ دينونة الله لا تتأثر بصفات الإنسان الظاهرية، التي لا تشير إلى حقيقة شخصية الإنسان وسلوكه. فبينما تتأثر أحكام الناس هنا على الأرض، بأمور مثل العرق، الدين، المظهر الخارجي، المركز الاجتماعي، الثروة، المستوى العلمي. لكنّ أحكام الله تثبت من دون أنْ تتأثر أو تنحرف بفعل أيّ من تلك الأمور " لأنّ الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنّه ينظر إلى القلب " 1صموئيل7:16. فالله لا يحابي الناس قط، بل هو يأمر ويحثّ كل من له سلطان بأنْ لا يخضع إلى منطق المحاباة، بل يدعو إلى العدل والمساواة.

(4) دينونة الله هي حسب النور
" لأنّ كل من أخطأ بدون الناموس فبدون الناموس يهلك. وكل من أخطأ في الناموس فبالناموس يدان" رومية12:2.

الناس هم مسئوولون عما يعرفون، أو عما كان يمكن أنْ يعرفوا لو أنّهم شاءوا. فلن يدان الإنسان على جهله، إلا حين يكون الجهل نتيجة رفض النور طواعية، فيحب الظلمة أكثر من النور.

كل إنسان سيدان على قدر النور الذي وصل إليه، وليس بحسب النور الذي لم يصله. إذ إنّ النور المعطى للإنسان سيكون هو المعيار الذي به يدان. فإنْ اتبع المرء بصيص النور الذي له، يجد نورا كافيا يقود خطواته، ويضمن له خلاصه. فإنْ أدرك الناس مسئوليتهم، تجاه خالقهم، بواسطة نور الطبيعة، فإنّه يتحمل مسئوليته في تزويدهم بنور كافٍ لخلاص نفوسهم.

صبري يوسف
روتردام-هولندا