بعد الحكم الأافي
أنتَ الآنَ مفرج عنكَ، ترى وجه البسيطة،
تتنفس الصعداء،
بعد مخاض عسير، دام ألف سنة.
أنتَ اختبرتَ، معاناةٍ وعزلة تامة،
سرى الخوف في كيانكَ،
وانبعثْ صرخات موجعة من قلبكَ المنكسر،
وارتفعتْ آهات ثكلى من نفسكَ اليائسة.
لكن الآن، قد أتاكَ الفرجُ،
أتتكَ فرصة ذهبية من السماء،
أتتْ إلى عقرِ داركَ،
بغية أنْ تعيد النظر في مواقفكَ،
أنْ تطرح كل الأمور غير المرضية في المطر.
من الغباء، كل الغباء، أنْ تركب رأسكَ،
وتقول إنّ الأمور تجري على ما يرام،
أنْ تفكر بقلبك، لا بعقلك، فذلك ذروة الجنون !
عليكَ أنْ تغيّر قبضتكَ لكي لا تخطئ الكرة،
وتغير أيضا طريقة مسككِ العصا.
ها أنتَ خارج القضبان، طليق حر،
وعليكَ أنْ تقرر في التو والحال،
في أيّ اتجاه ستكون الخطوة المقبلة،
ليس هناك بيْنَ بينْ البتة،
هناك طريق واحد، لا غير.
لا بد أنْ تكشف كل الأوراق،
وتطرحها على بساط البحث فقط،
على على طاولة المفاوضات،
إذ ليس عليك إلا الاستسلام،
وبالتنازلات المشينة.
والتخلي عن المطامع الفردية،
فقط انتهى زمن الوعيد التهديد،
عايكَ أن تفكر مليّا في كل المسائل العويصة المعلّقة،
وكل القضايا المستعصية،
وتلقيها جابنا،
وتلقيها في النار، قبل أنْ تأكلكَ أنتَ النار،
إذا لا جدوى منها، لأنّها ستقودكَ إلى التعاسة والحرمان والموت الأبدي.
عليكَ أنْ تتوب،
وتعلن ذلك صراحة،
وتقبل الفرصة النادرة، التي أتيحتْ لكَ.
أنت الذي قلبت حياة البشر، رأسا على عقب،
أنتَ الذي زرعت الفوضى،
أنت الذي سرقتَ ما هو ليس لكَ.
الأمر على أهمية وبالغ الخطورة،
والخيارات واضة تماما، كالشمس في رابعة النهار،
فالأمر يستدعي وقفة تأمل عميق،
وسبر في الأعماق،
لا تصلّب في الموقف،
ليجيء القرار صائبا، لا ندم فيه،
حياتكَ هي كفة ميزان،
هي رهن، بكلمة من شفتيكَ.
لأنّ الأحداث سوف تشكل منعطفا جديدا لاتمام الأمر.
فأمّا حياة أبدية، وأمّا عذاب في بحيرة النار والكبريت،
فرح دائم، في محضر الرب،
أو أسى في ظلام دامس.
أنتّ ستكون غبيا، غبيا، غبيا، وأيّما غبي،
إنْ كنتَ تجري مقاصدكَ كما يحلو لإرادتكَ،
أنْ تدفعكَ الكبرياء إلى التهلكة،
بغية حفظ ماء الوجه.
ترى هل أنتَ غير مهيّأ للنطق بالكلمة ؟
حتى تخرج من المأزق العظيم،
أو إنّكَ تريد أنْ تبقي العالم في قبضتكَ ؟
أنتَ تريد أنْ ترتفع، اعتقادا منكَ أنّكَ قادر على ذلك.
هل تملكَ قوة سحرية،
لتأتي بمفاجأة مذهلة ؟
أجل، إنّ هناك هجوم مرتقب على معسكر القديسين، بين لحظة وأخرى،
هجوم كاسح لا يذر ولا يبقي،
يحرق الأخضر واليابس،
هناك جوج، وماجوج،
لكن هناك أيضا نار من السماء، ستنزل عليك،
وعلى كل الأذيال، الذين خدعتهم !
صبري يوسف
روتردام-هولندا