في بحيرة النار والكبريت
مجموعة نثرية
باتَ واضحا، أنّه لا يمكنكَ أنْ تمني نفسكَ البتة،
وتخذل رؤياكَ،
وتحرص في الإسراف في تصوركَ،
وأنتَ سائر فوق نار، لا على طريق يعلوه الشوك.
فتتحركُ تارة بطريق خفية،
وطورا بطريقة صاخبة،
وتنسلّ من المشهد بأنفاس مقطعة،
غير قادر أنْ تعالجَ سكرات الموت الثاني.
افعل ما تشاء وسط أتون النار،
ترفّل بالعزّ،
لكن لن ولن تستشعر بصيصا من الرجاء،
من التعزية، وسط نار ملتهبة،
فأنتَ لا تملكُ شروى نقير!،
ولا حيلةَ لكَ في الأمر،
وفي كلّ ما يجري.فأنتَ الآن كالعبد المطيع.
لن تتمكنَ من أنْ تتحين الفرصة، وتقدمَ على أمر يائس،
لن تتمكنَ أنْ تطلق ساقيكَ للريح،
وتهرب بجلدكَ من النار،
لأنّ النار أعدتْ خصيصا لكَ.
لذا اقتضى الأمر أنْ تمكث في النار،
في بحيرة النار، كل الأبدية.
وسوف يكون عذابكَ بطيئا،
كلما أعدتَ النظر في الماضي،
أنتَ مثلُ الفيل الذي لا يستطيع أنْ ينسى شيئا.
وكما إنّ القوس لا يرجع إلى الوراء،
كذلك أنتَ لن تتمكن من أنْ تنفض عنكَ غبار الموت،
لن تهتز هاوية النار تحتَ قدميكَ
أو تتدفق مثل النهر،
أو تنهض كالعنقاء من فوق الرماد.
لن تحصل معجزة في نار جهنم.
فأنتَ في المثوى الأخير،
ومن العبثِ خقا أنْ تحلم أنّكَ تستطيع أنْ تزيل الهوة،
أنْ تعبر فوقها، لأنّ كلّ المعابر، قد أضرم فيها نار.
فقد انتهت كل الأزمنة،
وانتهت مهزلة طال أمدها كثير،
ابتدأت قبل التاريخ،
لتنتهي خارج التاريخ،
مهزلةَ التحدي.
ولن ينقض أحد الحكمَ،
ولن يعضدكَ قاض مستبد جائر،
فأيّام عدالة الأرض انتهتْ دون رجعة،
انتهت شريعة الغاب،
انتهت الأحكام الجائرة،
انتهت مهزلة الذئاب الخاطفة،
انتهت تبرئة المذنب،
وتذنيب البريء،
وتسليم المساكين إلى الموت الزؤام،
ورفع القضاء عن الأشرار،
قضي الأمر تماما.
فأنتَ في نار جهنم،
لكنْ تركَ لكَ البابُ لتجلب المزيد من الرثاء على نفسكَ،
يكفي أنّكَ أقمتَ مملكة، مترامية الأطراف،
مملكة أخذتها الأوجاع كإمرأة ماخض،
مملكة تتستر في ظلام الليل،
إذْ استبدلت النور بالظلمة، والحقّ بالباطل،
كانت تقوم على الدجل والافتراء،
تسترسل في الأكاذيب،
يسودها الاستبداد والفوضى،
يطلق رعاياها صرخات الألم،
ولا تعرف سوى محبة جوفاء لا قلب لها،
مملكَة حلّق حولها من هم على شاكلنَكَ
مملكة تسوق الناس، عنوة إلى الشر،
مملكة تحتضن شرذنة ممن ماتت الرحمة في قلوبهم،
ومن تلوثتْ أذهانهم بالشر،
من الأخوة الكذبة،
من الأنبياء الكذبة،
من أعداء كلمة الله،
من الذين ينشرون الضلالات،
من القتلة، الذين يقدسون الموت،
من الذين قتلون باسم الله،
من المرتزقة،
والمأجورين،
ومن كل متواطئ.
صبري يوسف
روتردام-هولندا
الأحد ديسمبر 02, 2007 7:53 pm