تحـديـات جليـات

تحـديـات جليـات
سفر صموئيل الأول، والإصحاح السابع عشر


جُليـاث،
أنتَ تسبي، أو تنفي،
فذاكَ هو اسمكَ.
خرجْتَ من جوف الظلام،
تقفـز مثل الأرانبِ البريـّة من أوكارها.
وكبحر أثارتْ أعماقـه الزوابع.
تتحركُ في قلبـكَ يا جليـات،
مشاعر فرح وغبطة،
وأحاسيس الغيرة والكبرياء، والكراهية.
لكَ أنتَ شهوة التسلط،
أنتْ تسود على الآخرين، على أعدائكَ،
أنْ تطلقَ يدكَ إلى أبعد الحدود،
وتطيـر على أجنحـة الأحلام.
غيـر إنّ الريح، تجـري بما لا تشتهيه السفن !
" لا بالقدرة ولا بلقوة، بل بروحي قال رب الجنود"
فالحرب هي ليهوه الله.
وإنْ كنتَ يا جليـات ريحا، سيلاقيكَ إعصارا !
وتذكر، تذكر جيـدا،
لا يمكـن للنور والظلمـة أنْ يسيـرا جنبا إلى جنبٍ،
فالظلـة لا تقوى على النـور!
جليأت، أنتَ تغتصب لنفسـكَ صفات ليستْ لكَ،
وتعلـل نفسـكَ بأباطيل الحيـاة.
أنتَ تضع إصبعـكَ على الزناد، دون أنْ تطلقَ النارَ،
وتتكلـم مثـلَ منْ تعوزه الحكمـة،
فتبثّ الرجـاء في مراثي الموتـى المحـزنة.
أنتَ تشبـه بحـزا مضطـربا،
تعيـشُ أنتَ تحـت طغيـان المـوت،
لتنـام في قلـب العاصفـة.
تتكلـم بلسان شيطـان،
وتنطـقُ بأكاذيـب،
وتقـول ما تشاء على النحـو الذي تـراه.
تتكلـم بكلمـات قاصفـة كالرعـدِ،
وتطلـقُ صَرَخـاتٍ مبهمـة.
يرغـي الزبـدُ على شدْقيـكَ،
لأنّ فـي قلبـكَ ثـورة البغضـاء.
أنتَ تهـددُ، وتطلـق سـيلا من السباب،
ووابلا من الكلمـات النابيـة،
بهدف زرع الخـوف،
بهدف، أنْ تمـلأ النفوس، الخشيـة،
بهدف أنْ تنتـزع الثقة،
وتأسـر القلوب المضطربة،
بغيـة أنْ يهبـط الجميـع إلى مهـاوي اليـاس،
حتـى تضيـع المعركـة منهـم،
ما دام ليـس في مقدور أولئـكَ أنْ يفعـلوا شيئـا،
وما دام هنـاكَ لا هـارب، ولا قـارب،
ولا مجـال للمساومة، أو الاستسـلام،
فكيـف للأعمى أنْ ينجـو من عتدوه البصيـر ؟
إذا، لا يمكـن الـرجوع إلى الخلـف، والابتـداء من جديـد.
ليقـع الجنـد، والقـواد والملـك شـاول بين حجـري رحـى،
فالمـوت هو أولا وأخيرا، مبـدأ الحرب!
جليـات، أنتَ ترعـد،
تتأرجـح من الأعلـى غلى الأسفـل،
تزمجـر مثل أسد يتضـور من الجـوع.
أنتَ تصـرخ، نمـلأ الأرض صـراخا،
ليسقـط صـوتكَ على الجبـل المقابـل،
وليرتـد صداه، ومن ثمّ ليرتفـع فوق الوادي،
كقصف الريح.
أنتَ تتفاخـر،
أنتَ تتباهـى بقامتـكَ،
بقـوتكَ،
بسـلاحكَ،
وتظنّ كلّ الظنّ،
أنّـكَ بعيد، كلّ البعـد عن المـوت،
عن الخطـر،
لا، لن تتزحـزح قط،
ولن يقـف في وجـه زحـفكَ الهـادر، كـائنا من كـان !
فذاكَ شأنّكَ،
افعـل ما تشـاء،
ما دمتَ في ذروة النشـوة،
وما دمتَ تسكـر بكؤوس من خيـال.
تقدّم، سرْ على النهـج الذي أبدعتـْه قريحـتكَ،
أغـرق المعـابر، في الميـاه،
وعشْ في دائـرة لا تنتهـي من الشـر والظلـم،
اغتصب، وتربـع عـرشا مسـروقا،
أقتلْ، حطّمْ، توعـد، ولوّخ بالعصـا،
إنْ كـان ذلكَ سرّ مسرّتكَ،
افعـل تمـاما مثلَ سيـدكَ الكـذاب،
بعلزبول، الحيـّة القديـمة،
الأسـد، الذي تهشّمت أنيـابه،
والآن لكَ من الأيّـام، أربعيـن،
تعيـد كالببغـاوات، ثرثـرة باطلة.
جعجعة من دون طحن.
تحـلم بالدم، وهو يسيـل حتى اللجم،
بالقتـل، والخـراب.
بالانتصار، وبأبـادة الأعـداء.
وها هو اليـوم، يا جليـات، يقتـرب،
يـوم حافـل بالمفاجئـة !
وها هو داود، من بيتِ لحـم (أفراتة)،
يقتحـم الخطـر، الذي خشيَ منـه أبطـال البأس.
داود الراعي يدخـل إلى مشهـد المـوت.
هو يقبـل التحـدي.
" يطرد الواحد الفا".
حَدَثُ لم يختبـر الحـرب، يتحـداكَ يا جليـات.
هو سينزع السّم من فـم الأفعـى،
ما دام قد مُسِـح، وحـلّ عليـه روح الله،
واختبـر قـوة يهـوه،
وقتـل الأسد، والـدب، وانتـزع الفريسـة.
داود، سوف يقلـب الأمـور رأسـا على عقـب،
بحجـر واحـدٍ سوف يهـزم الأعـداء،
وينهـي وإلى الأبد كل الصرخـات،
ويقتلـع الغطرسة عن بكـرة أبيها.
سقطـتَ يا جليـات بحجـر واحد،
سقطتَ على الأرض، مضرجا بالدماء،
لتلفظَ أنفـاسكَ الأخيـرة.
تمـاما، كما سقط التمثـال الذي رآه الملك نبوخذنصر، في الحلـم.
سقـط أيضـا بحجـر واحـد،
لكنـه أسقـط، كلّ ممالـك الأرض،
أسقطها إلى الأبد.
هكـذا ستسقط ممالـكُ العالـم،
وتـزول مملـكة الظلمـة إلى الأبد،
لتقـوم مملكـة إلهـنا، على الأرض.


صبري يوسف
روتردام-هولندا