نسطورهو بطريرك القسطنطينية. [ضد لاهوت المسيح]
أنكر ولادة العذراء للقدوس المتأنس.
حكم عليه مجمع أفسس سنة 431م قرارت المجمع خاتمة قانون الإيمان [نعظمك يا ام النور ]
من هو نسطور ؟ –
10-Cf. Hefele, C.J., p. 9-17
ميلاده ونشأته
في خريف سنة 425 توفي اتيكوس أسقف القسطنطينية وبهذا شغر الكرسى القسطنطينى. فرشح بعض الأكليروس كلٌ من بروكلوس سكرتير اتيكوس وفيليبوس أحد كهنة العاصمة الذى عُرِفَ بشغفه بالآثار وباهتمامه بتاريخ المسيحية. ولكن الشعب آثر سيسينيوس أحد كهنة الضواحي الذي اشتهر بمحبة المسيح وبتواضعه وزهده وعطفه على الفقراء. فتم انتخابه في الثامن والعشرين من شباط سنة 426. ثم اختار الله له ما عنده فاصطفاه لجواره في ليلة عيد الميلاد سنة 427. وعاد كلٌّ من بروكلوس وفيليبوس إلى سابق نشاطهما. ولكن الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني آثر الخروج من هذا الخلاف المحلى بإختيار أحد الذين لا يعرفهم كلا الفريقين وإختيار عن خلف للأسقف المتنيح لسينسينيوس من خارج العاصمة فاتجهت أنظاره نحو أنطاكية، نحو الراهب نسطورويوس رئيس أحد أديارها الذي كان قد اشتهر بفضله وفصاحته.وقد عُرِفَ بشغفه بالآثار وباهتمامه بتاريخ المسيحية ,
لم يستطع المؤرخون الاتفاق على أصله أو مكان وزمان ميلاده, ولكن يؤرخ ذلك بالربع الأخير من القرن الرابع, وهناك من يظن انه سوري أو فارسي , وأما بعض النساطرة فيظنون انه من اصل يوناني.
ويقول الأنبا إيسوذورس فى الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة ج 1 ص 483 : " ولد نسطوريوس في الربع الأخير من القرن الرابع الذى من مرعش ( وهى مدينة جرمانيقية , وهى الآن مرعش بشمال سوريا) من أبوين سوريين وفارسيين , وهو ابن عم ثيودوريطس المؤرخ أسقف قورش , ترهبن فى دير مارابروبيوس بجوار أنطاكية Euprepius ( أنطاكية تقع في شمال غرب سوريا على ضفاف نهر العاصي قرب مصبه ) " .. درس اليونانية ومبادئ العلوم في مرعش ثم انتقل إلى أنطاكية وهناك تشبع بمبادئ مدرسة إنطاكية اللاهوتية, وتتلمذ على يد الفيلسوف العظيم ثيودوروس الموبسيوستي وكذلك أخذ العلوم الدينية .
وفى أنطاكية. قدم نذر الرهبنة فى دير Euprepius يوبريبيوس في ضواحي أنطاكية. ثم سيم كاهناً على مذابح كنيسة أنطاكية وكلّف بتفسير الأسفار المقدسة لتفوقه في اللغة والأسلوب ,
من هناك عيّن شماساً ثم قسيساً فى كاتدرائية أنطاكيا. ككاهن، وعظ كثيراً وبقبول ملحوظ، مع تمتعه أيضاً بسمعة كونه ناسكاً صارماً وكثيراً ما أظهر حماساً عظيماً.. ورغبة فى مدح الجموع له خاصة فى عظاته. (11 )
Cf. Hefele, C.J., quoting Socrat. Hist. Eccl. Lib, vii. C. 29; Theodoret. Haeret, Fabul. lib. iv. c. 12; Evargrius. Hist. Eccl. i. 7; Gennad. De Scrip. eccl. c. 53 Vincent. Lirin. c. 16.
وسرعان ما حصل على شهرة واسعة كواعظ قدير, كما كان يتسم بأنه رجل مخلص وأمين ويتسم بالتقوى الرهبانية, وروح الحماس المشتعلة ضد كل الهرطقات, وجمال صوته وسمع به من فى القسطنطينية فوقع اختيار السلطات على نسطوريوس، فقام إلى القسطنطينية في أوائل سنة 428.وهذا ما دفع به في عام 428م لينتقل القسطنطينية ليشغل منصب رئيس أساقفتها لأن الإمبراطور ثيودوريوس الثاني قرر أن يختار أجنبيا للجلوس على كرسي القسطنطينية التي كانت تعد بحق وقتها روما الجديدة. وكان الجميع ينتظرون في القسطنطينية منه أن يكون استمرارا ليوحنا فم الذهب , واسترجاع لموقفه العظيم في مواجهة الأريوسية والنوفاتية ,.
وجاء في "أسطورة" سريانية أن نسطوريوس عرّج في طريقه إلى القسطنطينية على معلمه القديم الأسقف ثيودوروس فأقام عنده في موبسوستي يومين كاملين. وأن ثيودوروس شيعه حتى مشهد القديسة تقلا وقال له عند الوداع: "إني أعرفك يا بُني. لم تلد امرأة أشد حماساً منك. فعليك بالاعتدال إن رمت النجاح في معالجة الاختلافات في الرأي". فأجاب نسطورويس: "ولو عشت أنت يا سيد في زمن المسيح لقيل لك وأنت أيضاً ذاهب".
نسطور رئيس أساقفة القسطنطينية
فور تولي نسطور منصب أسقف القسطنطينية في 10 أبريل/ نيسان 428م أظهر غيرة شديدة في مواجهة أي هرطقة, أظهر إعجاباً عظيماً بعمل الوعظ , حتى انه قال فى عظته الأولى موجهاً كلماته للإمبراطور على مسمع من الجمهور : "هبني بلادا بدون هرطقة, أمنحك السماء بديلا. إستأصل أيها الإمبراطور الهراطقة , وأنا أستأصل معك جنود الفرس وأملكك فوق ذلك جنة الخلد (يقصد الملكوت ) ".( 12)
Cf. Hefele, C.J., quoting Socrat. Hist. Eccl. vii. 29
*** وبعد ذلك بأيام قليلة اندفع نسطوريوس في سبيل الإيمان القوي فقام بحملة مسعورة ضد الأحزاب والمذاهب والشيع والهرطقات الدينية. وكان أول هجومه جماعة الأريوسيين. فاستصدر أمراً بإغلاق كنيسة الآريوسيين في القسطنطينية في الأسبوع الأول من رئاسته.
وفي الثلاثين من أيار صدرت أوامر أمبراطورية تستأصل الهرطقة في جميع مظاهرها وأنواعها، فشلمت في حكمها:
الآريوسيين والمقدونيين والأبوليناريين والنوفاتيين والأفنوميين والفالنتينيين والمونتانيين والمركيونيين والبوربوريين والمصلّين والأفخيتيين والدوناتيين والبولسيين والمركلوسيين والمانويين والمكدونيين والأربعت عشرية وغيرهم.
*** صمم على حرم الأريوسيين من الكنيسة الصغيرة التى كانوا لا يزالون يمتلكونها فى القسطنطينية والتى كانت قد أقفلت ، فأمر بإقتياد شعبها الأريوسيين ليشعلوا النار فيها بأنفسهم ، والتى بسببها نال نسطور من الهراطقة ومن كثير من الأرثوذكس لقب "حارق متعمد"
*** ونُفِّذت هذه الأوامر بحزم، فأغلقت كنائس هؤلاء المبتدعين وأدى إغلاقها إلى استعمال العنف في بعض الأحيان وإلى خسائر في الأرواح.
وقام بالعديد من حملات الهدم والحرق فى سبيل تحقيق هدفه.
*** كما قام بحرب شعواء ضد بعض العادات والتقاليد المعروفة والمقبولة في المدينة. مثل المسارح والغناء والرقص والملاهي.
*** كما هاجم أيضا تطرف الرهبان والأكليروس.
بداية البدعة النسطورية
وفى رسالة.. ليوحنا أسقف أنطاكية، يؤكد نسطور أنه فى وقت وصوله إلى القسطنطينية وجد خصوماً (متضادين) موجودين فعلاً. لقّب أحد أطرافهم القديسة العذراء بلقب "والدة الإله" وآخر بأنها مجرد "والدة إنسان". وحتى يتم التوسط بينهما قال إنه اقترح عبارة "والدة المسيح" معتقداً أن كلا الطرفين سوف يرضى بها ( 13)...
Cf. Hefele, C.J., quoting Mansi, t. v. p. 573; Hardouin, t.i.p. 1331.
من ناحية أخرى فإن سقراط يقص أن "الكاهن أنسطاسيوس صديق نسطور، الذى أحضره معه إلى القسطنطينية قد حذَّر سامعيه يوماً ما، فى عظة أنه لا يجب أن يطلق أحد على مريم لقب والدة الإله qeotokoV (ثيئوتوكوس) لأن مريم كانت إنسانة والله لا يمكن أن يولد من إنسان". ( 14)
According to Cyril of Alexandria (Ep. vi. p. 30, Ep. ix. P.37, Opp.t.v.ed. Aubert; and in Mansi, t. iv. P. 1014).
لقد تدخل نسطور فى النزاع القائم وأراد التوفيق فسقط فى هرطقة ولما كان تعبير والدة الإله تعبيراً مقبولاً شعبياً لتكريم السيدة العذراء فهى أم لامخلص هذا الهجوم على المعتقد القديم والمصطلح الكنسى المقبول حتى ذلك الوقت، قد سبب هياجاً عظيماً وإضطراباً وسط العامة من الشعب الذين يحبون العذراء ويتشفعون بها والإكليروس. وتقدّم نسطور نفسه ودافع عن خطاب صديقه فى عدة عظات. وإتفق أحد الأطراف (المتضادة) معه، وعارضه الأكثرية العظمى من الشعب والإكليروس بما فيهم الأساقفة حيث أنه لم يذهب معه من أساقفته إلا 16 أسقفا إلى مجمع أفسس...
ولكن يؤكد المؤرخون أن نسطور مع صديقه أنسطاسيوس كانا أول من أثار هذه البدعة. فبعض من عظاته التى لا زالت محفوظة جزئياً هى كافية لتأكيد الخط الهرطوقى الذى تمادى فيه , فقد بدأ بالقول أن مريم لم تلد إلاهاً ومن ثم بنى على هذا الهراء نظرياته الأخرى عن المسيح ذاته وعلاقة الكلمة بالجسد فى السيد المسيح. ففى خطبته الأولى هتف بعاطفة "إنهم يسألون إن كان من الممكن أن تدعى مريم والدة الإله. لكن هل لله أم إذاً؟ فى هذه الحالة يجب أن نعذر الوثنية التى تكلمت عن أمهّات للآلهة، لكن بولس لم يكن كاذباً حينما قال عن لاهوت المسيح (عب7: 3) أنه بلا أب، بلا أم، بلا نسب. (+) لا يا أصدقائى لم تحمل مريم الله.. المخلوق لم يحمل الخالق إنما حملت الإنسان الذى هو أداة اللاهوت. لم يضع الروح القدس الكلمة، لكنه أمد له من العذراء المطوبة، بهيكل حتى يمكنه سكناه.. أنا أكرِّم هذه الحُلة التى استفاد منها من أجل ذاك الذى احتجب فى داخلها ولم ينفصل عنها.. أنا أفرِّق الطبائع وأوحِّد التوقير. تبصَّر فى معنى هذا الكلام. فإن ذاك الذى تشكّل فى رحم مريم لم يكن الله نفسه لكن الله إتخذه.. وبسبب ذاك الذى إتَّخَذَ فإن المُتَّخَذْ أيضاً يدعى الله." (15 )
Cf. Hefele, C.J., pp. 12-13, quoting Marius Mercat. ed. Garnier-Migne, p. 757 sqq.
أما خطبته الثانية فتبدأ بتعبير لاذع ضد أسلافه، كما لو أنه لم يكن لديهم الوقت لقيادة الناس نحو معرفة أعمق بالله. ومن هنا يتحول ثانية إلى موضوعه الرئيسى أن المسيح له طبيعة مزدوجة وكرامة موحَّدة. فيقول: "حينما تتكلم الأسفار المقدسة عن ميلاد المسيح أو موته فهى لا تدعوه الله أبداً بل المسيح أو يسوع أو الرب... مريم إذاً يمكن أن تدعى خريستوتوكوس CristotokoV (والدة المسيح) وحملت ابن الله بقدر ما حملت الإنسان، الذى بسبب اتحاده (يقصد اتحاد فى الكرامة وليس فى الطبيعة كما سبق أن ذكر فى خطابه الأول.) بابن الله (بالمعنى الخاص) يمكن أن يدعى إبن الله (بالمعنى الأوسع). وبنفس الطريقة يمكن أن يقال أن إبن الله مات وليس أن الله مات.. إذن فلنحفظ اتصال الطبيعتين fusewn thrwmen sunafeian الغير مختلط ولنعترف بالله فى الإنسان وبسبب هذا الإتصال الإلهى نوقر ونكرّم الإنسان المعبود مع الله الكلى القدرة." (16 )
Cf. Hefele, C.J., quoting Loofs, Nestoriana, p. 249.
فى خطابه الثالث يقول : "إن الأريوسيين يضعون اللوغوس فقط تحت الآب لكن هؤلاء الناس (الذين يعلِّمون بالثيئوتوكوس ويتكلمون عن ميلاد الله) يضعونه تحت مريم أيضاً، مؤكّدين أنه أحدث منها، ومعطين اللاهوت خالق الكل، أماً زمنية كأصل له. إذاً لم يكن ذاك الذى حملته إنساناً إنما الله الكلمة، إذاً لم تكن هى أم ذاك الذى ولد، لأنه كيف تكون هى أم ذاك الذى له طبيعة مختلفة عنها؟ لكن إن كانت تدعى أمه، إذاً فإن ذاك الذى ولد ليس ذو طبيعة إلهية، لكنه إنسان حيث أن كل أم تحمل من له نفس جوهرها (مادتها). لم يولد الله الكلمة إذاً من مريم، لكنه سكن فى ذاك الذى ولد من مريم."
من السهل أن نرى أن نسطور قد تبنّى وجهة نظر معلمه ثيئودور الموبسويستى.. وقد أنذره كثير من كهنته بالإنسحاب من شركته ووعظوا ضده. وصرخ الشعب "لدينا إمبراطوراً، لكن ليس لدينا أسقفاً". والبعض ومنهم علمانيون تكلّموا ضده علناً حينما كان يعظ، وبالأخص شخصاً بإسم يوسابيوس وهو بلا شك نفس الذى صار فيما بعد أسقف دورليم، والذى على الرغم من كونه علمانياً فى ذلك الوقت، إلا أنه كان أول من كانت له نظرة ثاقبة وعارض الهرطقة الجديدة. لهذا السبب استعمل نسطور له ولآخرين لقب "الرجال البؤساء" (17 )
Cf. Hefele, C.J., quoting Marius Merc. l.c. p.770 ; Cyrill. Opp. t. iv. P.20; Tillemont, t. xiv. P. 318
وإستدعى الشرطة ضدهم، وتم جلدهم وسجنهم، وهؤلاء الآخرين هم بالتحديد بعض الرهبان، الذين وصل إلينا فى أيامنا هذه (المتكلم هنا هو المؤرخ هيفيلى عن المرجع الذى ذكره.) إتهامهم الموجه للإمبراطور ضد نسطور. ( 18)
Cf. Hefele, C.J., quoting Hardouin. t. i. p. 1136; Mansi, t. iv. P.1102
***********************
وفقاً لهذا التقييم للأمر، فإن نسطور لم يجد النزاع قائماً بالفعل فى القسطنطينية، ولكنه .
ولقد كان -لكن بطريقة أكثر حذراً- أن دخل بروكلوس أسقف سيزيكوس ضمن القائمة. كان فيما سبق، كاهناً على القسطنطينية، وعين بواسطة البطريرك سيسنيوس أسقفاً لسيزيكوس. لكن سكان تلك المدينة لم يقبلوه، ولذلك استمر يعيش فى القسطنطينية. فبدعوة من نسطور للوعظ فى إحدى أعياد العذراء عام 429 استغل الفرصة ليصف، فى حضوره، الكرامة والوقار الذى لمريم كوالدة الإله فى كثير من العبارات البليغة والمأخوذة من الكتاب المقدس، وليدافع عن العبارة الموضوعة للمساءلة فى أسلوب ماهر (19 )...
Cf. Hefele, C.J., quoting Marius Mercator l. c. p.775 sqq.; Mansi t. iv. p.578 sqq.
عظــــــــــــــات نسطور التى أظهر فيها هرطقته
وجد نسطور أنه من اللازم إلقاء عظة ثانية للتو حتى يحذّر، كما قال، من كانوا حاضرين ضد تقديم الإكرام الزائد لمريم، وضد الرأى الذى يقول أن كلمة الله (اللوغوس) يمكن أن يولد مرتين (مرة أزلياً من الآب والمرة الثانية من مريم). فقال (نسطور) إن ذاك الذى يقول ببساطة أن الله مولود من مريم يجعل من العقيدة المسيحية سخرة للوثنيين، لأن الوثنيون سوف يجاوبون "لا أستطيع أن أعبد إلهاً يولد ويموت ويدفن"... هل أقيم الكلمة من الأموات؟ وإذا كان معطى الحياة (اللوغوس) قد مات، من يمكنه أن يعطى الحياة إذاً؟ إن سر الألوهة يجب أن يعبّر عنه بالأسلوب التالى : "أن الكلمة الذى سكن فى هيكل شكَّله (كوَّنه) الروح القدس هو شئ والهيكل نفسه المختلف عن الله الساكن فيه هو آخر".