منذ ُ احتلال العراق في نيسان 2003 نهب من المتاحف ومن مئات المواقع القديمة الكثير من القطع الاثرية هربتها شبكات محلية وإقليمية عالمية وبمساعدة عراقيين في الداخل الذين هربوها برا عبر الدول المجاورة للعراق. و تعد محافظة ميسان احدى المدن العراقية التي تشتهر بوجود أكثر من 335 من المواقع الاثارية التي تنتشر على رقعة واسعة منها والمثبتة في الخارطة الاثارية للمدينة، ونتيجة عدم قيام الأجهزة الاثارية العراقية في المحافظة بعمليات التنقيب والكشف تعرضت اغلب هذه المواقع الى السرقة والنبش من قبل أشخاص لا يهمهم سوى الكسب والإثراء على حساب حضارة العراق وأثاره الغنية بالمدلولات التاريخية التي تسجل إبداعات وعطاء العراقيين القدماء عبر قرون سحيقة من الزمن.
تشجيع على السرقة
الظروف الأمنية المضطربة التي يعيشها العراق شجعت البعض من هؤلاء على عمليات السرقة ونبش الآثار بغية تهريبها الى خارج العراق وحرمانه من هذه الكنوز الاثارية المهمة التي توثق عمق الحضارة ورسوخها من خلال ما عثر عليه من قطع آثارية مهمة تتمثل بالأختام الاسطوانية والمسكوكات الذهبية والفضية والنحاسية والتماثيل والأواني بمختلف الإشكال والألوان. وتشير مصادر مطلعة ان عصابات للسرقة من جهات إقليمية تقوم بالسطو على آثار ميسان والمواقع الاثارية التي تمتد على رقعة واسعة من شرق المحافظة قريبا من الحدود الإيرانية. وفي مناطق- تل الواجف وعزيزة وأم الديري وشلال- التي تضم بين طياتها آلاف القطع التراثية والتي يعود تاريخها الى أكثر من ثلاثة ألاف سنة قبل الميلاد تعرضت للنهب والنبش من قبل عناصر لاتهمها حضارة ميسان وتراثها وآثار الحضارة العراقية العريقة ليسرقوا مافيه من ارث الأجداد العظام بهدف طمس حضارتنا وهويتنا. وبينت هذه المصادر " انه يوجد مكان بين التل الواقف، (الواجف) و(عزيزة) وهو عبارة عن نهر جاف (بزل) وهذا النهر الجاف يضم رفاة ملوك (أكد) داخل التوابيت الفخارية المزخرفة بأنواع الزخرفات الملونة بأنواع الألوان والمجومة بالوارنيش، حيث كان ذلك المكان في السنوات التي سبقت سقوط النظام محاط بحراسات مشددة إلا انه الآن أصبح متروكا.
سرقة عبر التاريخ
مدير مفتشية اثار ميسان السيد عدنان هاشم اكد لنا " ان مفتشية آثار ميسان بنيت عام 1989 ، وتعرض المتحف إلى سرقة ونهب للآثار في أحداث عام 1991 وسرقة (700) قطعة اثرية وان المسح الاثري الذي قمنا به عام 1992 وجدنا من خلاله (371) موقعا اثريا ولكن العام الماضي وفي الشهر السادس تقريبا اجرينا مسحا جديدا وفق اليات حديثة مثل برنامج (جي بي اس) والتصوير ونتوقع ان عدد المواقع الاثرية في ميسان سيزداد بعد اكمال هذا المسح بالرغم من طول فترته لاننا وباستمرار نكتشف اثارا جديدة وان المواقع تتوزع على جميع اقضية ونواحي المحافظة ويتم الكشف عنها حسب الامكانيات المتوفرة وبشكل دوري ويوجد عدد من حراس الاثار موزعين ايضا على انحاء المحافظة ولكن عددهم غير كافة لانه من عام 2001 ولغاية الان لم يتم تعين حرس جديد وبالنسبة لحرس (الف بي اس) فعددهم (68) ولا يمتلكون أي قطعة سلاح .
الجميع ينهب ارث العراق
وبخصوص سرقة مواقع الاثار فقد اكد ان السرقات موجودة ولكنها بشكل غير منظم وتكثر في المناطق البعيدة مثل الاهوار او الاماكن البعيدة عن مركز الاقضية والنواحي ، ولكن هناك تجاوزات على المواقع الاثرية لذا نطلب من الجهات المسؤولة ان تأخذ رأينا قبل البدء بتنفيذ بعض المشاريع ، نعم هناك دوائر تتعاون معنا حفاظا على الاثار ولكن القسم الاخر تعطي مقاولات دون الرجوع للهيئة العامة للاثار حتى تحصل على موافقتها . وتابع " لا توجد في محافظة ميسان مواقع أثرية شاخصة لأن الآثار غير منقبة حتى تظهر للعيان وان المواقع المكتشفة قابلة للزيادة وهي منتشرة في جميع أنحاء محافظة ميسان خاصة في منطقة سيد احمد الرفاعي وتعود للفترات (الفرثية والساسانية والإسلامية) ، وتقوم لجنة المسح الأثري لدائرة مفتشية ميسان بعمليات مسح مستمرة في جميع أنحاء المحافظة فهي تذهب إلى الموقع الأثري ويكون التحرك حوله فإذا كان الموقع الأثري مساحته قليلة فتترك حوله مسافة (50) متر تقريبا وإذا كان الموقع مساحته كبيرة فتترك مئات الأمتار ، وأوضح الأستاذ عدنان: بحكم قانون الآثار أي شخص يعثر على قطع أثرية عليه تسليمها خلال (30) يوما من تأريخ العثور عليها إلى المتحف وأن يدل على موقع العثور لغرض دراستها وتقييمها. كنوز قيمة
وأضاف هاشم " ان جميع الآثار هي كنوز لها قيمة علمية تاريخية لا تقدر بثمن، تعرضت الى نهب وسطو من قبل سراق الاثار، وقاموا بسرقة اكثر من 15000 قطعة اثارية تمثل حضارة بلاد وادي الرافدين منذ عصور ما قبل التاريخ الى العصور الاسلامية المتأخرة، وتم استعادة 4000 قطعة آثارية والالاف من القطع معروضة بصورة علنية في كبريات متاحف فرنسا واميركا، وكذلك في متاحف الاردن والسعودية والكويت، اما الثلث المتبقي منها مفقود لا نستطيع استرجاعه كاملاً وفعلاً قامت الجهات العراقية بمفاتحة المنظمات الدولية المعنية بالسرقة وزودت بقوائم الاثار المفقودة ألا أننا مع الاسف لم نلمس اي موقف ايجابي من بعض الدول.
مع الجريمة الاقتصادية
مدير مكافحة الجريمة الاقتصادية العقيد كاظم جواد أكد " أنه بين الحين والآخر تتوفر معلومات سرية لدينا حول عمليات تهريب وسرقة الآثار خاصة في منطقة سيد احمد الرفاعي التابع لقضاء الميمونة في العمارة ، وعلى ضوء هذه المعلومات تم تشكيل مفرزة لتعقب المهربين وتم العثور على آثار بحوزتهم وتضمنت الآثار المسروقة : قلة أسلامية صغيرة ورأسي تمثال صغير وأربع قطع على هيئة نجوم وخمسة أجزاء مهشمة على شكل جرة و محار بحري صغير و تمثال صغير وأثنين من الأواني الفخارية وسبع قطع آثريه على شكل لوحة مسجل عليها بالكتابة المسمارية وثماني قطع أواني مختلفة الأنواع والأحجام وجرة تراثية واحدة وجزءا واحدا من رأس قرن ثور وتسعة وعشرين قطعة صغيرة على شكل حيوانات وخمس قطع على شكل صمون وثلاث قطع على شكل جرة وتسع قطع مكتوب عليها بالكتابة المسمارية وأربع قطع نحاسية معدنية و تمثالا معدنيا وأحد عشر قطعة آثرية على شكل نجوم وست قطع أحجار متنوعة و تمثالا قديما وخمسة أواني مختلفة واثنتي عشرة قطعة آثرية مختلفة وسلمت إلى دائرة الآثار وكانت مفارز شرطة محافظة ميسان قد ألقت القبض في وقت سابق على عدد من مهربي الآثار كانوا يحاولون تهريب آثار منطقة سيد احمد الرفاعي وبحوزتهم بعض اللقى الاثارية التي تعود للحضارة السومرية فقد ألقت مفارز مكتب مكافحة المخدرات في قيادة شرطة ميسان القبض على شخص من سكنة محافظة ميسان بحوزته قطع أثرية يحاول بيعها إلى أشخاص آخرين من محافظة النجف بغية تهريبها إلى خارج البلاد بعد استخراجها من تلك المواقع والاحتفاظ بها ومن ثم المتاجرة بها وتهريبها وبعد المتابعة والتحري استطاعت المفرزة القبض على المتهم وبحوزته قطعتين أثريتين على شكل أوان فخارية تحتوي على رسوم وكتابات تعود إلى حضارة ميسان القديمة حيث اعترف المتهم في التحقيق بأنه جلب هذه القطع من شخص آخر وكان ينوي بيعها إلى احد الأشخاص في محافظة أخرى بمبلغ متفق عليه مسبقاً وهو عشرون ألف دولار أمريكي , وقد سلمت جميع الآثار التي سرقتها والقي القبض على سراقها لوزير الدولة للسياحة والآثار الشيخ محمد عباس العريبي حيث بلغت حسب الإحصائيات الأخيرة (2644 ) قطعة منذ الثامن من تشرين الأول عام 2007 وحتى الآن .
المزيد من الاكتشافات
وأكد السيد عدنان هاشم مدير مفتشية ميسان " لقد تم اكتشاف معبد يعود الى العهد البابلي قبل 200 ق.م بيضوي الشكل يحيط به سور بيضوي ايضا وله اربع بوابات ويحتوي على عدد من الغرف نتصور انها كانت تستخدم للكهنة وكذلك عثرنا في ساحة المعبد على عدد من القبور وقبر قرب السور مهم جدا ونادر وذلك للترميمات العديدة التي اجريت عليه في ذلك الزمن وعثرنا داخل المعبد على قاعة مركزية لممارسة الطقوس الدينية تضم دكة لتقديم القرابين مطلية بمادة الجص ووسط القاعة تم اكتشاف بئر دائري الشكل مبنية بالطابوق ومادة القير وكذلك عثرنا على بعض الاواني والجرار وتمثال نادر منحوت من الحجر الابيض بارتفاع 75سم وعليه ثلاثة حقول من الكتابات المسمارية بيضوي الشكل وكذلك عثرنا على أربع سنارات لفتح وغلق الأبواب ولكن وبسب الحرب العراقية الإيرانية تم إزالة جزء كبير من هذا الموقع الاثري المهم . تم هذا العمل من خلال تشكيل هيئة تنقيب مشتركة من الهيئة العامة في بغداد للآثار والتراث والمتفشية في ميسان . ويذكر أن منظمات وشخصيات تعنى بالآثار والتراث دعت الحكومة العراقية والجهات المختصة الى إنقاذ الآثار العراقية والمناطق الأثرية من مافيا التهريب و فتح باب التنقيب في ميسان وحماية الأماكن الأثرية من المافيات الدولية .