ما هي الأدلة على ألوهية المسيح في كتب العهد القديم؟
يصرح العهد القديم بإتيان شخص إلهي يلبس طبيعتنا البشرية ليخلّص العالم بالفداء، وأن ذلك الشخص يكون من نسل امرأة، من نسل إبراهيم ومن سبط يهوذا، ومن بيت داود، مولوداً من عذراء، وموصوفاً برجل أوجاع، وإنه يجعل نفسه ذبيحة لأجل الخطية، وأنه هو ملاك يهو، ويهوه وإلوهيم (الله) والإله القدير، والذي يعمل كل أعمال الله، ويقبل عبادة الناس والملائكة نظير الله.
فيظهر مما تقدم وجود أقنومين متميّزين، لكل منهما صفات اللاهوت، وكلاهما يشاء ويعمل ويتكلم، وأحدهما أرسل الآخر. ولنا دليل قاطع أن ملاك العهد في العهد القديم (الذي سُمِّي أيضاً ملاك الرب) هو نفسه الذي تجسد عند ملء الزمان وتقدم أمامه يوحنا المعمدان لكي يعد الطريق أمامه، تحقيقاً للنبوة القائلة:
صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لِإِلَهِنَا. كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ الْمُعَوَّجُ مُسْتَقِيماً وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلاً. فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً، لِأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ (إشعياء 40:3-5).
وقال في ملاخي النبي:
هَئَنَذَا أُرْسِلُ مَلَاكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ وَمَلَاكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَمَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ، وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِه، لِأَنَّهُ مِثْلُ نَارِ الْمُمَحِّصِ، وَمِثْلُ أَشْنَانِ الْقَصَّارِ. فَيَجْلِسُ مُمَحِّصاً وَمُنَقِّياً لِلْفِضَّةِ. فَيُنَقِّي بَنِي لَاوِي وَيُصَفِّيهِمْ كَا لذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِيَكُونُوا مُقَرِّبِينَ لِلرَّبِّ تَقْدِمَةً بِا لْبِرِّ (ملاخي 3:1-3).
وإذا نظرنا إلى العهد الجديد رأينا أن الذي يُعد الطريق هو يوحنا المعمدان، وأن السيد الذي يأتي إلى هيكله هو المسيح. فنقرأ في متى 11:10: فَإِنَّ هذا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ:
هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلَاكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ . ونقرأ أيضاً في مرقس 1:1-
3 بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللّهِ: كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الْأَنْبِيَاءِ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلَاكِي، الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً (اقرأ لوقا 1:76? 7:27).
وهناك آيات عديدة تتضمن ألقاباً للّاهوت مستعملة في العهد الجديد، على أنها تشير إلى المسيح:
جَعَلْتُ الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ. لِأَنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلَا أَتَزَعْزَعُ (مزمور 16) فبمقابلة هذه الآية مع أعمال 2:25 نرى أن الرب هنا هو المسيح.
- أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لِإِلَهِنَا (إشعياء 40:3). فبمقابلة هذه الآية مع متى 3:3 نرى أن المسيح هو الرب.
- فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُّزِيَّا الْمَلِكِ رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلَأُ الْهَيْكَلَ. السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِا ثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِا ثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَا ثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الْأَرْضِ (إشعياء 6:1-3). فبالمقابلة بين هذه الآيات ويوحنا 12:41 يتضح أن القدوس الذي سبحه الملاكان وقالا إنه رب الجنود هو المسيح.
- قَدِّسُوا رَبَّ الْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ. وَيَكُونُ مَقْدِساً وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ لِبَيْتَيْ إِسْرَائِيلَ (إشعياء 8:13-14) قابلها مع رومية 9:33، فيتحصل من ذلك أن المسيح هو رب الجنود.
- وَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، الَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ (زكريا 12:10). قارن مع رؤيا 1:7 ترى أن الذي طُعن بحسب آية العهد القديم هو يهوه (الرب). وبحسب آية العهد الجديد هو المسيح.
- أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الْأَزَلِ (ميخا 5:2). قابلها مع ما جاء في متى 2:6 تجد أنها تتحدث عن المسيح وأنها تُثبت أن مخارجه هي منذ أيام الأزل.
- قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لَا يَكُونُ. أَنَا أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ (إشعياء 43:10 و11) قابلها مع أعمال 4:12 تجد أن الرب المخلص هو المسيح.
- أَمَا أَمْلَأُ أَنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ يَقُولُ الرَّبُّ، (إرميا 23:24), المسيح رأس فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلَأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ (أفسس 1:22 و23) ففي الآية الأولى قيل إن الرب يملأ السموات والأرض. وفي الآية الثانية قيل إن المسيح يملأ الكل في الكل.
كل هذه الآيات من العهد القديم وقريناتها في العهد الجديد، بما حوته من ألقاب وصفات إلهية منسوبة للمسيح تؤكد لاهوته، ولا يمكن نسبتها إليه لو كان مخلوقاً أو مجرد إنسان. وقد رأينا أن هذه الصفات والألقاب هي:
الرب، والله، والله العلي، والملك رب الجنود، ورب الجنود، والذي مخارجه منذ الأزل.لا يجوز مطلقاً نسبة ما تقدم من ألقاب وصفات إلى إنسان، لأن ذلك تجديف فظيع. فقد قال الله لإشعياء النبي
: أَنَا الرَّبُّ هَذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لَا أُعْطِيهِ لِآخَر (إشعياء 42) فلو لم يكن المسيح إلهاً لكان مجد الله قد أُعطي لغيره، وإن كتابه الموحى به غير صحيح. ولكن ما يراه المؤمن بالله من هذه الأدلة عكس ذلك،
أي أن الرب يسوع المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد، وله كل ملء اللاهوت.***